-A +A
محمد العصيمي
من بين مئات القنوات الشيعية لم أجد سوى قناة واحدة فقط من لبنان تتحدث بعقل عن كيف يفترض أن تتم الاحتفالات بذكرى عاشوراء، وكيف يمكن أن تستغل هذه المناسبة لتقديم (الحسين) الفكرة والنموذج.؟! بقية القنوات تتزاحم أكتافها وأصواتها وقراءاتها على شتم التاريخ وتوزيع الاتهامات والتأليب والتحريض على قتلة الحسين رضي الله عنه، مع أن هؤلاء القتلة الضالين المجرمين ماتوا منذ مئات السنين وأكل عليهم الدهر وشرب. ليس هناك من كل مذاهب المسلمين اليوم ولا قبل اليوم من يرضى عن قتل الحسين أو يترضى على من قتله وإلا لما أصبح مسلما أصلاً.

كل المسلمين بلا استثناء يترضون عليه ويأسفون ويحزنون لمصابه الذي جر على الأمة ويلات لم ينطفئ سعيرها منذ ذلك العام المشؤوم الذي غلب فيه الهوى على الدين وتغلبت فيه مطامع الباطل على مطامح الحق. ولذلك لا أجد، وأنا أتابع هذه المناسبة سنويا، مبررا منطقيا لاستئثار طائفة دون غيرها بحب الحسين أو الأسف على ما جرى له ولقرابته وأبنائه والوفاء لتضحياتهم التي بقيت وستبقى حية في فم التاريخ الإسلامي إلى يوم يبعثون.


لا يستطيع أحد أن يسلب من قلبي حب الحسين ولا أن ينزع من نفسي جلالة ورفعة قدره في العالمين حتى لو حز رقبتي إمعانا بأنه هو فقط من يحبه ويجله وينصره. وهو لم يخرج لما خرج إليه إلا ليرسم طريق وحدة وعزة للمسلمين وليس ليفرقهم ويمزقهم كما تفعل أغلب المنابر الآن وهي تحث الشيعة على كره أهل السنة وقتلهم والانتقام منهم لقتل الحسين باعتبارهم أحفاد أولئك الأجداد الذين قتلوه كما قال الطائفي قيس الخزعلي أمين عام تنظيم «عصائب أهل الحق» الشيعي العراقي قبل أيام ممهدا لما سيفعله الحشد الشعبي في الموصل بعد تحريرها من تنظيم «داعش» الإرهابي.

هذه المنابر الزاعقة بالكره وهذه التصريحات المحرضة على هويات العراقيين غير الشيعة وقتلهم ليس لها علاقة بالحسين ولا خروجه التاريخي المجيد ولا أهدافه وأهداف جده الأعظم صلى الله عليه وسلم. هذه منابر وتصريحات جاهلية طائفية لا تقل عن جاهلية وطائفية منابر داعش وكل التنظيمات الإرهابية. ولذلك يظلم هؤلاء الحسين وأمجاده وأهدافه من حيث يرفعون قميصه ويفعلون تماما كل ما هو ضد نموذجه وشرعته الوحدوية الإنسانية العظيمة. هو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي قال: «الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».

الحسين بريء من هذه المنابر وهذه الأصوات الظالمة. لقد خرج ليجمع الناس لا ليفرقهم ومات ليفهم الناس أن الاعتداء بغيض وأن الظلم كريه وماحق. دمه في فم الزمان ليس لأنه كاره أو محرض أو حاقد أو قاتل، بل لأنه ثار للحق وقُتل في سبيل ذلك، فأي سبيل يسلكه هؤلاء ليقولوا إنهم أنصار الحسين.؟! أنصاره هم فقط من يحدثون عن فضائله ويجمعون كل الناس حول نموذجه: لا يكرهون ولا يحقدون ولا يحرضون ولا يقتلون ولا يشردون الأطفال في العراء ليموتوا من الجوع.

osaimin143@gmail.com