-A +A
عزيزة المانع
ينشغل الإعلام هذه الأيام بمتابعة أخبار الفتاتين اللتين اختارتا ترك أسرتيهما وبلدهما والذهاب إلى كوريا للعيش فيها. وهذه ليست المرة الأولى التي ينشغل فيها الإعلام بمثل هذه الأخبار، فمنذ شهور قريبة ضجت وسائل الإعلام بأخبار الفتاة التي فضلت العيش في بريطانيا على العيش في كنف أبيها، وقبلها بفترة قصيرة سمعنا عن الفتاة التي اختارت الارتحال إلى جورجيا بعيدا عن أسرتها، وهناك غيرهن لا أذكرهن الآن.

يصف الإعلام فعل أولئك النساء بالهروب، ويعد فعلهن ذاك جريمة تستدعي من جهات الأمن تعقبهن وإعادتهن إلى المكان الذي (هربن) منه؟!!


لعل مئات من الرجال عبر العقود الماضية، هجروا أسرهم واختاروا بلادا غريبة بعيدة للعيش فيها، لكن لا أحد منا اكترث بهم، حيث عد تصرفهم تصرفا شخصيا تعود عواقبه عليهم وحدهم.

فلماذا متى هجرت امرأة أسرتها وفضلت العيش في بلاد أخرى بعيدة عنها، عدت (هاربة) وانطلقت تطاردها الجهات الأمنية تتعقبها لتعيدها إلى حيث كانت، كما لو أنها قاتلة أو سارقة أو سجينة فرت قبل إكمال مدة العقوبة؟!

إن كانت المرأة المهاجرة عاقلة راشدة، اختارت بنفسها الهجرة ولم تختطف، ولم ترتكب جريمة في حق أحد، بأي تهمة تطاردها الجهات الأمنية؟

أليس الأصل أن الإنسان حر في اختيار المكان الذي يعيش فيه؟ ومتى وجدت امرأة أن حياتها داخل أسرتها شقية، وأن هناك في مكان ما من العالم توجد فرص تتيح لها التمتع بعيش أفضل ورغبت في تجربة ذلك، لم لا تترك لحال سبيلها تجرب نوع الحياة الجديدة التي لاح لها بريقها، فتواجه بمفردها المصير الذي اختارته، إن أفضل أو أسوأ؟! خاصة أن النظام لا ينظر إلى المرأة كقاصر عند ارتكابها جريمة، فيتعامل معها كما يتعامل مع أي فرد مسؤول مسؤولية كاملة عن تصرفاته، وما دام الأمر كذلك، لم لا يكون التعامل مع المرأة عند اختيارها الهجرة على هذا النسق نفسه، فتترك لها حرية اختيار المكان الذي تعيش فيه، وليس من مهمات الجهات الأمنية أن تختار لأحد مكان عيشه؟

إن مطاردة أمثال هؤلاء النساء اللاتي أعلن عدم رغبتهن في العيش مع أسرهن وفضلن الانتقال إلى بلاد أخرى، تعطي صورة سيئة عن وضع المرأة في بلادنا مرتين: مرة بإبراز ما تعيشه بعض النساء داخل أسرهن من حياة شقية تضطرهن إلى الارتحال والهجرة بحثا عما هو أفضل، ومرة بهذا التعقب الشديد لهن والإصرار على القبض عليهن، بلا ذنب جنينه أو جريمة اقترفنها، وإنما لمجرد إرغامهن على العودة إلى أسرهن، التي هن أصلا لا يرغبن في العيش معها

هذا، إضافة إلى ما يهدر من مال ويضاع من وقت وجهد في تعقب أمثال هؤلاء النساء مما يتنافى مع سياسة ترشيد الاستهلاك وشغل الوقت في ما يعود على الناس بالنفع العام، وليس لمناصرة أسرة لم تعرف كيف تسعد بناتها فهجرنها غير آسفات.