الدول التي تحكمها رؤية ومشروع تنموي لا تقاس بلغة عابرة، ولا تُختزل في توصيف كسول يصدر من خارج زمنها. فالمملكة اليوم دولة مؤسسية تعرف طريقها، وتتحرك بثبات، ولا تقف عند حدود ما يُقال عنها، لكنها في الوقت ذاته لا تسمح بأن تستدرج إلى مربع السخرية أو الاختزال. فحين يُستخدم المجاز لوصف الدول، يكون الخلل في زاوية النظر، لا في الدولة التي تجاوزت أصلاً مرحلة الالتفات إلى هذا النوع من الخطاب. فالدول الكبرى لا تُقرأ بمنطق من غادر لحظته، ولا تُفسر بأدوات من لم يعد حاضراً في زمنها.

وقبل الانتقال إلى المثال الذي أثار هذا الجدل، لا بد من ضبط الإطار الصحيح. ما نحن بصدده ليس موقفاً رسمياً ولا تعبيراً عن اتجاه عام، بل تصرف فردي صدر من شخص واحد، لا يتجاوز أثره صاحبه. وهذا في ذاته لا يُربك المشهد، بل يؤكد متانة القاعدة التي تحكم العلاقة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية؛ علاقة دولة بدولة، تاريخ ومسار ومصالح عميقة، لا تهتز بعبارة ولا تُقاس بانفعال. فالاستثناء فيها ليس عارضاً يُلتفت إليه، بل كاشف لرسوخ الأصل الذي قامت عليه هذه العلاقة، ومؤكِّد أن ما يجمع الدولتين أعمق من خطأ فردي أو عبارة عابرة.

واللافت في هذا السياق، أن كثيراً من النخب المصرية تعاملت مع ما قيل بالقدر الذي يستحقه، وردت عليه بما يعكس وعياً يليق بعلاقة دولتين شقيقتين، في مشهد يؤكد أن الأصوات العاقلة في مصر كانت ولا تزال جزءاً أصيلاً من حفظ هذا التوازن، وأن الاستثناء لا يُمثل إلا نفسه.

لذا، وبعد تثبيت هذا المعنى، يصبح من المشروع التوقف عند ما قاله الفنان محمد صبحي نصاً، بعدما اختار نشره للعلن. ومحمد صبحي هنا لا يُستدعى بوصفه صوتاً فاعلاً في المشهد الراهن، ولا اسماً حاضراً في صناعة التأثير، بل كعنوان لمرحلة مضت، تراجع فيها حضوره الفني، وانحسر إنتاجه، وغاب معها موقعه الحقيقي من المشهد العام. وليس مستغرباً أن يصدر هذا الخطاب ممن باتت علاقته بالواقع مرتبكة، إذ ينعكس ذلك في سلوكه من فقد للاتزان واحترام الآخر، وهي سمات لا تُنتج قراءة متزنة للدول ولا لمشاريعها. وفي مثل هذه اللحظات، يلجأ بعض من غادر المشهد إلى إثارة الجدل بوصفه أقصر طريق للعودة إلى الضوء، حتى وإن جاء ذلك عبر لغة لا تليق بالدولة التي يُراد التعرض لها.

إذ كتب يقول: «لا نعير من داس على وطنه في أرض البعير، وسنبقى مع وطننا حتى النفس الأخير»، ثم عاد لاحقاً ليبدّل التعبير نفسه، مستعيضاً عن أرض البعير بـ«أرض السعير». وهنا لا نتحدث عن اختلاف رأي، بل عن لغة باهتة معيبة، تحاول توصيف دولة المستقبل بأدوات ماضٍ لم يعد حاضراً في الواقع ولا في التأثير.

أما لفظ «البعير»، الذي استُخدم على سبيل الانتقاص، فلا يكشف إلا جهلاً مركباً بالرمز قبل أن يكون إساءة للمكان. فالسعودية العظمى لا ترى في رموزها ما تخجل منه، بل ما تفخر به. فالبعير في الوعي والموروث العربي رمز صبر وقوة واحتمال؛ ذُكر في القرآن الكريم بوصفه آيةً للتأمل، لا مادةً للسخرية. وهو في ثقافتنا دلالة على شظف العيش، والقدرة على التحمل، واجتياز القسوة بثبات وكرامة. هذه القيم لم تُنقص من المملكة، بل صنعت إنسانها، ورسخت صلابتها.

وحين انزلق الخطاب إلى «السعير»، انكشف الخلل بأوضح صوره. فالسعير ليست توصيفاً لدولة، بل لغةُ من ضاقت عليه القراءة. وإن كان المقصود بـ«السعير» حرارةً أو ناراً ملتهبة، فالسعودية لم تكن يوماً إلا برداً وسلاماً على من احترمها، وحزماً لا يخطئ طريقه على من حاول تجاوزها أو استباحتها، وحدودها معروفة: لا تعتدي، ولا تُستباح.

وفي خلاصة القول، تبقى المملكة دولة تعرف وزنها، ثابتة في مشروعها، غير معنية بخطاب متأخر أو توصيف خرج من زمنه. فما قيل يبقى كلاماً من الماضي لا يغيّر واقعاً ولا يصنع أثراً.