-A +A
عبداللطيف الضويحي
استوقفني في السنوات الأخيرة عدد المتقاعدين من أصدقائي ومعارفي الذين قرروا الاستقرار في المدينة المنورة على غير عادة كثيرٍ من المتقاعدين الذين يؤثرون العودة والاستقرار إما في قُراهم التي جاؤوا منها وقبل التحاقهم بالعمل، أو البعض من المتقاعدين السعوديين الذين تتحدث الإحصاءات بأنهم يستقرون خارج المملكة خاصة في بعض الدول العربية والدول الآسيوية والأوروبية بشكل دائم أو جزئي. فما الذي يدفع بعض المتقاعدين للاستقرار في المدينة المنورة؟ وكم أعداد هؤلاء المتقاعدين يا ترى؟ وهل يعد التملك للسكن في المدينة المنورة لهؤلاء منزلاً وحيداً أم أن سكنه في المدينة المنورة يعد منزلاً إضافياً؟

إن ما يخلق لدي الفضول وشغف المعرفة حول أسرار المدينة المنورة وجاذبيتها اللافتة والمتنامية، ليس ما تتمتع به هذه المدينة من قدسية المكان فحسب، وليس في الأجواء الروحانية الاستثنائية التي يتحدث بها وعنها كل من زار الحرم النبوي الشريف، ربما ولا تكمن هذه الجاذبية والسحر في طبيعة السكان من أهل طَيبة الطيبين وصفاتهم الحضارية الراقية والرفيعة والتي يلمسها ويلحظها أغلب من يتعامل معهم.


لكن أكثر ما استوقفني شخصياً عن المدينة المنورة، بجانب كل ما سبق، هو ما قامت به أمانة المدينة المنورة في خطوة جريئة عبقرية وغير مسبوقة (حسب علمي) بين أمانات المناطق السعودية الـ13، بقرارها، عندما أزالت جدران وأسوار أمانة المنطقة في المدينة المنورة، حيث فتحت بذلك باحاتها وساحاتها وحدائقها ومسطحاتها الخضراء للجمهور العام في المدينة المنورة من السكان والزوار.

فهل هو الوعي والمرونة والقدرة على اتخاذ القرارات غير المركزية والتي يرعاها ويقف وراءها أمير منطقة المدينة المنورة سمو الأمير فيصل بن سلمان من خلال بنائه فريق المدينة المنورة من الكفاءات الوطنية القوية والفاعلة والذي من بينهم الأمير سعود بن خالد الفيصل نائب أمير منطقة المدينة المنورة، والذي أجاب لقاؤنا به مع عدد من الزملاء الأسبوع الماضي عن جملة من الاستفسارات وكل ما يدور في ورشة المدينة المنورة التي لم تستثنِ قطاعاً من القطاعات أو مهنةً من المهن، حيث ألهمنا حديثه عن مشروعات وبرامج أنسنة المدينة المنورة، بفخر عن وبمنتهى الشفافية والوضوح عن حجم ونوعية العمل الأفقي والرأسي في المدينة المنورة هذه الأيام ومنذ فترة.

تتمتع المدينة بصور شتى في أذهان الناس داخل المملكة وخارجها. فالمدينة المنورة لها صورة دينية ولها صورة زراعية وخاصة التمور، وللمدينة المنورة صورة ترتبط بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، كما أن للمدينة صورة تتعلق بالآثار والمتاحف والمواقع التاريخية والحضارية، بالإضافة إلى صورة السكينة والطمأنينة التي تتمتع بها المدينة التي جعلت المدينة مركزاً صحياً واستشفائياً، بجانب ما اشتهرت به المدينة المنورة عالمياً من مكانة في التعليم الجامعي عن طريق الجامعة الإسلامية وما رسمته من سمعة في أذهان عشرات آلاف الطلبة في مختلف دول العالم الإسلامي والبعثات التي تتخرج منها عبر عقود والذي تقلد بعضهم مناصب رفيعة في بلدانهم.

امتدت لقاءاتنا بالمهندس فهد البليهشي أمين منطقة المدينة المنورة، حيث تلتقي في عقل هذا الرجل الرقمنة والهندسة والإدارة، حيث يوظف كل الركائز الثلاث في «ورشة المدينة المنورة» وحيث يتمحور حولها عمل «فريق المدينة المنورة».

أما المهندس ماجد الشلهوب، والذي هو الرئيس التنفيذي للشركة الحكومية «شركة المقر» يعد جسراً أصيلاً وحلقة وصل أساسية بين أطراف عدة من خلال ورشة المدينة المنورة وفريق المدينة المنورة. فهذه الشركة هي الذراع الاستثمارية في المدينة حيث تقوم بجسر الهوة بين القطاعين العام والخاص ويقع على مسؤوليتها تذليل كافة التحديات التي تحول دون وصول المستثمرين للفرص التي تعمل على بلورتها وتوفيرها في المدينة المنورة.

من المهم أن يكون للمدينة المنورة هوية اقتصادية، كما أن من المهم أن يكون لكل منطقة من المناطق الـ13 هوية اقتصادية. لكن المدينة المنورة تعد نموذجاً مُلهِماً يمكن محاكاته في العديد من مناطق المملكة. إن التناغم والتكامل بين أعضاء فريق المدينة المنورة حريٌ بالاستفادة من تجربته ليس بالاستنساخ، إنما بقدر كبير من الوعي والخيال والمهنية وروح المسؤولية.

إن الصور الذهنية التي استطاعت المدينة المنورة أن تقدم نفسها بها تعد بحق قوة ناعمة للمملكة، كما أن التناغم والتكامل بين أعضاء فريق المدينة المنورة مكَّن ورشة المدينة المنورة من الدخول في سباق فريد ونادر بين كمية الإنجاز ونوعية الإنجاز، إنني على يقين بأن الزمن لن يطول حتى يبلغ النجاح مداه بحقوق الملكية الفكرية الكاملة لفريق المدينة المنورة على نحو سيتفاجأ به العالم.