-A +A
أسامة يماني
مفتي جمهورية مصر العربية فضيلة الشيخ شوقي علام في حوار متلفز ذكر بأن القرآن والسنّة لا يوجد بهما نص قطعي لعقوبة شرب الخمر وإنما الأمر متروك للقاضي الذي يمثّل الدولة، أي أن الأمر متروك في تحديد العقوبة للدولة تقرر ما تشاء. وإلى هنا الأمر طبيعي، حيث إن المفتي المصري بلا خلاف هو الجهة الفنية والمختصة في إظهار الأحكام الفقهية والجهة الرسمية المخولة بالاجتهاد المنضبط.

بمجرد ما أذيع هذا الرأي أو القول ظهر الوجه الرافض والكاره والمضيق على الأمة الإسلامية، وبدأ المنتفعون من سيادة واستمرار الجهل بالهجوم على المفتي واتهامه بأنه مفتي السلطة، وتكلم المخالفون لهذا الرأي باسم الأمة الإسلامية وكأنهم مفوضون من الأمة، فغرد أحدهم قائلاً: «كان لتصريحات مفتي الديار المصرية شوقي علام أثر سلبي كبير وانطباعات حزينة في نفوس المسلمين بالغرب بل في العالم أجمع، تلك التصريحات غير المعقولة وغير المقبولة تظهر وتعكس وضع المؤسسات الدينية في مصر في عهد غياب القانون وسيادة العسكر، وأنها تحولت إلى جهاز وظيفي يخدم الدولة البوليسية».


ويظهر جلياً من هذه الردود أنها ردود سياسية وليست فقهية وكيف يطوّع المخالف سياسياً أموراً تراثية إلى قضايا يهدف منها إشغال الأمة عن قضاياها الأهم وهي التنمية وبناء القوة العلمية والعملية والعسكرية، والتي نحن مأمورون بالقيام بها بنصوص صريحة من القرآن الكريم. ويتضح من طريقة الرد عدم القدرة على مقارعة الحجة بالحجة وشخصنة الرد بعيداً عن الموضوعية ومحاولة إثارة العواطف والمشاعر وتجييش الجماهير وتحفيزهم على التعاطف ضد رأي فقهي معتبر، ومن التجارب الكثيرة نجد أن الإخونجية وأهل الغفوة أو من يطلقون على نفسهم بالصحوة يوظفون الآراء سياسياً بهدف إثارة الفتن والخلافات في المجتمعات بعيداً عن الجدل الفقهي الموضوعي.

الطريقة الأخرى التي رد فيها على ما صرح به المفتي المصري كانت إنكاراً لمثل هذه الأقوال والفهم المغلوط... «من الخطأ التعجل والانسياق خلف الفهم المغلوط لأقوال وتصريحات العلماء»، متابعاً: «فلا يمكن لعالم التشكيك في تحريم الخمر وعقوبته، والقول بأن العقوبة لم ترد في القرآن أو السنّة، ولا يعني نفي العقوبة المجمع عليها».

والتناول الآخر كان تبريرياً حيث جاء التالي «يجب الاتفاق على أنه توجد جرائم يضع الشارع لها عقوبة مخصوصة، وهناك جرائم أخرى لم يضع الشارع لها عقوبة مخصوصة، والنوع الثاني يصدر القاضي فيه عقوبة تعزيرية وفقاً لما يراه».

وأضاف «الإيذاء الجسدي كان يعتبر نوعاً من العقوبات، إضافة إلى الحبس الذي مارسه عمر بن الخطاب، والغرامة والمصادرة والعزل، بصفة عامة التعزير واسع وهو يعني وضع العقوبة على الجريمة التي لم يذكر لها حداً، وهي بمثابة فن القضاء».

وأردف: «توجد أحاديث بأن عقوبة شارب الخمر كانت 40 جلدة، وهي لا تعني الضرب بالكرباج السوداني، بل كان العرب يمسكون بشيء مثل قطعة قماش ويضربون بها كنوع من أنواع التنفير من الخمر، حتى جاء سيدنا علي، وقال أرى أن من سكر هذى ومن هذى سب ومن سب قذف ومن قذف يجلد ثمانين، وحوّل العقوبة إلى 80 جلدة، إذن تغيير العقوبة يشعرك أنها ليست العقوبة الشرعية بل تعزير».

وأوضح قائلاً: «العلماء اختلفوا حول ما إذا كانت العقوبة اجتهاداً فتصبح مجرد تعزير فقط، أم أنها حد، والدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية دارس هذا الأمر، فاختار أحد القولين... هو لم يقل إن الخمر حلال، أو إنه لا توجد عقوبة للشارب، الدكتور شوقي قال فقط إن العقوبة إما الضرب 40 جلدة أو 80 جلدة مثلما فعل سيدنا علي، وأن التعزير قد ينفذ بالحبس أو الحرمان من المادة المسكرة أو بالرفد من الوظيفة، لكن لا يوجد إنكار لحد من حدود الله، توجد عقوبة بصفة عامة وهذا ما تحدث عنه الدكتور شوقي علام، لذلك ما حدث ضجة لا داعي لها». وأضاف: «أجمع فقهاء المسلمين على تحريم الخمر لقوله تعالى: (رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)، وأجمع الصحابة على أن عقوبة شاربها من عقوبات الحدود التي لا يجوز إسقاطها».

وللتوضيح الإجماع كمصدر من مصادر الفقه يعني اتفاق جميع المجتهدين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول، وهو ما لم يحدث مطلقاً. ويلجأ البعض إلى هذا النص لإسكات المخالف وترهيبه أنه خارج نطاق الجماعة.

الواقع الملموس من هذه المعالجات يظهر أن المؤسسات الدينية لا ترغب في التغيير والاجتهاد خارج ما هو في التراث ولا تعمل على تطويره، وأن الخلاف يستغل من قبل البعض لتوظيفه سياسياً بعيداً عن الحراك الفكري، والبعض يظل على الإصرار لما ألفه ونشأ عليه. هذا النوع من الخلاف يظهر مدى ما يعيشه العالم الإسلامي من مشكلة فكر ووجود.