-A +A
حمود أبوطالب
ليلة من ليالي الرياض الفاخرة عشناها قبل البارحة، الرياض النابضة بالفعاليات المستمرة، والحاضرة في المشهد الدولي، اعتادت على الاحتفاء بالأيام العالمية التي تحتفل بها مجتمعات العالم، وهذه المرة كانت احتفالية خاصة باليوم العالمي للمسرح. نعم المسرح، هذا المصطلح الفخم المهيب الذي وُصف بأبي الفنون وسيدها، مفجّر عبقريات الممثلين الذين تمثل خشبته منصة انطلاق نجوميتهم في السينما والدراما التلفزيونية. المسرح الذي عرفته البشرية قبل آلاف السنين وما زالت شواهده ماثلة وشاهدة على حضارات فنية عريقة.

أصبحنا هنا في المملكة نتحدث الآن عن المسرح وهو ليس جديداً عليها، عرفه جيلنا في المدارس، وتعرفنا عليه أكثر في مرحلتنا الجامعية عندما كان مسرح جامعة الملك سعود على سبيل المثال في قمة التوهج، يعتلي خشبته معظم الفنانين الذين أصبحوا نجوماً فيما بعد. لكن المسرح كغيره من الفنون أصبح أثراً بعد عين نتيجة التجريف الجائر الذي حدث لحياتنا الثقافية والاجتماعية. لكننا الآن نعيش مرحلة التنوير الثقافي، انبثاق نور الرؤية الوطنية أعاد للحياة جمالها ورونقها وبهجتها، عاد النبض والدفء لكل شيء، ومنها المسرح الذي عاد عودة مختلفة، لا تراهن على الحاضر فحسب وإنما تريد دخول المستقبل بتنافسية قوية مع أعرق المسارح العالمية.


ليس هذا تنظيراً شخصياً ولا أحلام يقظة، بل هو خطط واستراتيجيات وعمل كثيف دؤوب وكوادر متخصصة منذ إنشاء هيئة المسرح والفنون الأدائية، التي رغم عمرها القصير شبّت عن الطوق وبدأت ملامح النضج واضحةً على نشاطها. دعانا الرئيس التنفيذي للهيئة صديق الجميع الأستاذ سلطان البازعي للمشاركة في احتفالية الهيئة باليوم العالمي للمسرح، وقبل الحديث عن الاحتفالية لا بد من الحديث عن الأهم، فقد جمعنا أخونا سلطان في خيمة حميمة بعد إفطار شهي، وعلى رائحة وطعم القهوة السعودية للحديث عن استراتيجية الهيئة وبرامجها ومبادراتها ونشاطاتها وتطلعاتها تحت رؤية تهدف إلى «عروض ملهمة بمواهب استثنائية»، ورسالة مفادها «تحفيز تطور ونمو قطاع المسرح والفنون الأدائية من خلال تمكين المواهب السعودية لبناء مسيرات مهنية ناجحة وإنشاء محتوى يلهم الجماهير». لكن هذه الرؤية والرسالة التي تختصرهما كلمات قليلة يحتاج تحقيقهما إلى كثير من العمل الذي تقوم به الهيئة بنشاط وشغف كبير، ومن خلال مسارات ومبادرات عديدة تم تقسيمها إلى ثلاث مراحل ابتداء من عام 2021 وصولاً إلى عام 2030، وما تم إنجازه في المرحلة الأولى بحسب الإحصاءات والمؤشرات والنتائج يؤكد أننا نمضي باتجاه حركة مسرحية عالية الجودة شاملة الانتشار وقادرة على المنافسة والتفوق.

ثقافة المسرح بدأت تنتشر بجمال في المجتمع. في احتفالية اليوم العالمي للمسرح كان مسرح جامعة الأميرة نورة ممتلئاً بالحضور من كل الفئات العمرية من الجنسين، أحاديث ونقاشات عن المسرح وشؤونه وشجونه، مسابقة النص المسرحي كشفت لنا مناجم إبداعية من كل أرجاء الوطن، وقد اختتمت الليلة البهيجة بمسرحية تكاملت فيها كل عناصر الإبداع، لنخرج بعدها من ذلك الصرح الحضاري الضخم الفخم ونحن أكثر زهواً وانتشاءً وفخراً بهذا الوطن الذي يحتفي بكل معنى جميل.