-A +A
مي خالد
شرحنا في المقال السابق السبب الحضاري والتاريخي لعدم وجود فلاسفة عرب أو سعوديين، بالرغم من وجود من يسمون أنفسهم فلاسفة.

وبالرغم من ظهور جمعيات عربية وسعودية تعتني بالفلسفة وانعقاد مؤتمرات فلسفية في العقود الأخيرة مع عدم ظهور فيلسوف عربي واحد خلال عقود طويلة أعتقد أن الأهم أن تنصب الجهود على تأسيس مدرسة تعنى بتعليم المنطق والمنهج العلمي للتفكير وما إلى ذلك، لأنه لا يكفي أن تسمي نفسك فيلسوفاً لكي تصير فيلسوفاً حقاً. وهنا علينا التفريق بين الفلاسفة وأولئك المشتغلين بالفلسفة.


الفلاسفة هم الذين ينتجون حججاً عقلية جديدة ونظماً مفاهيمية تأصل وتؤسس لجانب معرفي أو وجودي أو جمالي أو أخلاقي أو بطبيعة الزمان والمكان... إلخ، فحقول الفلسفة كما هو معلوم تشمل: الإله والكون والإنسان، وهي تقريباً موضوع الأديان.

لهذا السبب ربما قال نيتشه إن الأديان عبارة عن فلسفات شعبية.

هذا إن كان الحديث عن موقف المتدينين من الفلسفة، أما العلمانيون المشتغلون بالفلسفة فهم مفكرون يشتغلون بالتراث الفلسفي وليس بالفلسفة فهم يتناولون ما أنتجه الفلاسفة عبر التاريخ منذ أرسطو وأفلاطون وحتى هيدغر وكانط مروراً بابن سينا والفارابي وابن رشد.

المشتغلون بالفلسفة (وجهدهم مشكور) يعمقون معرفتنا بالنظم المفاهيمية والمقولات الفلسفية ويحللونها ويربطون بينها ويضعونها في قوالب سياسية أو اجتماعية أو داخل النقد الأدبي أو النقد الثقافي... لكنهم لا ينتجون أنماطاً جديدة، لذا هم ليسوا فلاسفة وإن تسمّو بذلك.

لكن لماذا يصرون على تسمية أنفسهم بالفلاسفة؟

لعل مرد ذلك أن المشتغل بالفلسفة يستطيع أن يتهرب من مسؤولية أفكاره بنسبتها لغيره ويتهرب من المجتمع ومن الرقابة الذاتية والسياسية.

وأشبه هذه الحالة بما فعله الشعراء العرب منذ ستينات القرن الماضي، حيث لجأ الشاعر للمثيولوجيا اليونانية ولغيرها من الأساطير لكي يقارب الموضوعات الممنوعة دينياً واجتماعياً وسياسياً.