-A +A
حمود أبو طالب
من الدلالات العديدة للاتفاق على إعادة العلاقات السعودية الإيرانية أن سياسة المملكة في تعاملها مع الملفات الإشكالية، وخصوصاً الملف الإيراني، تتسم بطول البال والمهارة في إدارة المفاوضات مهما طالت وتخللتها الخلافات أو حتى بدت نهاياتها مسدودة في بعض الأوقات، هذا النهج هو ما كانت توصف به السياسة الإيرانية من خلال أساليب تعاطيها مع أمريكا والدول الغربية بشأن القضايا الشائكة التي صارت طرفاً فيها مقابل تلك الكتلة وغيرها من الدول، لكن المملكة أثبتت أنها أعمق نفَساً وأكثر هدوءاً وصبراً، مع فارق جوهري عن إيران يتمثل في أنها تسلك هذا النهج أملاً في تحقيق نتائج إيجابية تنعكس على أمن واستقرار وازدهار المنطقة والعالم، وليس من أجل المماطلة والمراوغة لشراء الوقت الذي يسمح بتنفيذ الأجندات الهدامة.

المفاوضات الكثيفة التي جرت خلال العامين الماضيين بين الجانبين ليست إلا تأكيداً على ثوابت السياسة السعودية ومبادئها المتمثلة في حل الخلافات بواسطة الحوار والدبلوماسية، واستناداً إلى المواثيق الدولية التي تنظّم العلاقات، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والسعي المخلص لتحقيق الأمن والسلام إقليمياً وعالمياً، ولذلك كانت يدها ممدودة دائماً نحو إيران لحل الخلافات العالقة انطلاقاً من هذه الثوابت.


بالتأكيد كل العقلاء ومحبي السلم والاستقرار رحبوا بالاتفاق المهم الذي صدر من بكين أمس الأول بين المملكة وإيران وما تضمنه من بنود شملت إعادة العلاقات وتفعيل الاتفاقيات السابقة بينهما. لكن فترة الشهرين المحددة لفتح السفارات وعودة العلاقات هي المحك الأول لمصداقية إيران وإثبات حسن نواياها إذ لا بد أن نلمس بداية تغير حقيقي في المشهد الذي صنعته حولنا، وتصحيح فعلي لتعاملها مع المملكة، وحتى إذا نجحت إيران في اختبارها خلال هذه الفترة فلا بد أن تثبت جدية استمرارها والتزامها التام بما تم الاتفاق عليه.