-A +A
رامي الخليفة العلي
تحلّ الذكرى الأولى لانطلاق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا كما يسميها الروس أو الغزو الروسي كما يسميه الجانب الأوكراني، وبالرغم من تغير كثير من المعطيات إلا أن الثابت الوحيد أن الأهداف الروسية وكذا الاستراتيجية الأوكرانية والدعم الغربي وكذا الموقف الصيني كل هذه الأمور على تعقيدها وتشابكاتها لم تتغير. ما تزال روسيا ترى أن النصر العسكري هو الكفيل بتحقيق أهدافها لتسير خطوة أخرى باتجاه استعادة المجد التليد للإمبراطورية السوفيتية وتضع حدّاً لتوسع حلف الأطلسي (الناتو) الذي بدا بأعين بوتين أنه لا يقيم وزناً لروسيا وتاريخها واحتياجاتها القومية، وما تزال الأقليات الروسية الدافع الذي يرسم حدود النفوذ التي يسعى الكرملين إلى ترسيخها، من جورجيا إلى روسيا البيضاء يريد سيد الكرملين أن يرسم فضاء السيادة والنفوذ بغض النظر عن الشروط الأمنية والاستراتيجية التي فرضت على روسيا الاتحادية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي. قانون التاريخ كما قانون السياسة يشير إلى أن أي زيادة في نفوذ دولة من الدول يعني خصماً من نفوذ أو سيادة دولة أخرى، فهذا النزوع الروسي أدى إلى اقتطاع أجزاء من جورجيا وضم شبه جزيرة القرم ومحاولة تغيير النظام السياسي في كييف. أوكرانيا ترى أن هذه الحرب هي الاستقلال الحقيقي لأن الانتصار فيها يعني الخلاص من الهيمنة الروسية المباشرة وغير المباشرة. أما الهزيمة فتعني إزالة أوكرانيا من الخارطة أو على الأقل لا تعود أوكرانيا التي نعرفها، لذلك ساقت الأقدار شخصية يمكن وصفها بالمغمورة لتتصدر المشهد الأوكراني بالنظر إلى خلفيتها الفنية والدرامية، إذا كان هناك وصف يليق بالعام المنصرم فهو عام فلوديمير زيلينسكي الذي جسّد على الشاشة شخصية الزعيم الذي يعجب الغرب بحكوماته وشعوبه في نشرات الأخبار. نقول ذلك مع الإقرار بمشروعية الدفاع عن الدولة والوطن والأرض التي يشرحها الرئيس الأوكراني ليل نهار، مع ذلك فإنه هو نفسه كما الروس كما الدول الغربية يعلمون أن اللعبة أكبر منه بكثير وهو مجرد تفصيل في صراع التوازنات الاستراتيجية بين روسيا والغرب. أوروبا التي تشعر أنها تعيد سيناريو ثلاثينيات القرن الماضي، التي مهّدت للحرب العالمية الثانية وهذا ما يرعبها، نار الحرب تمسك بطرف ثوب القارة العجوز وهي تدرك أن نجاح بوتين في أوكرانيا يعني أن أمنها أصبح على كف عفريت، وبنفس الوقت لا تستطيع أوروبا أن تقف منفردة في مواجهة الروس، لذلك سرعان ما استنجدت بالعم سام لتسلمه القيادة مرة أخرى، وكأنها تريد إنزالاً جديداً على غرار إنزال النورمندي ولكن هذه المرة بالمعنى الأمني والاستراتيجي والسياسي، وهذا ما حدث بالفعل، فأوروبا الغارقة في تداعيات الحرب هي غير قادرة على قيادتها أو التأثير بها. الإدارة الأمريكية هي الطرف الوحيد الذي يمسك بمعظم خيوط اللعبة، يدعم كييف ويجبر حلفاءه في الضفة الأخرى للأطلسي أن يدعموها، ويجدها فرصة لا تعوض لاحتواء طموحات بوتين وإضعاف روسيا على كافة المستويات، لكي يتفرغ للخصم الأكثر قوة وهي بكين. بكين بدورها تعرف أن روسيا دفعتها الأقدار أن تكون هي حائط الصد الأول في مواجهة الهجوم الغربي؛ لذلك فهي معنية بالدرجة الأولى بنتائج هذه المنازلة.

لقد مستنا هذه الحرب جميعاً، وسوف ترسم نهايتها ملامح المشهد الدولي لعقود طويلة ولكنها بعد مرور عام على انطلاقتها تبدو وكأنها تنطلق من نقطة الصفر مع نفس المقومات والمبررات والأهداف.