-A +A
محمد مفتي
لا شك أن الهجمة المسعورة الموجهة ضد المملكة تقف خلفها بعض الحكومات حتى وإن اتخذت صبغة فردية ممثلة في بعض الأشخاص المأجورين، وهي ليست بجديدة ولا غريبة، فالإصلاحات الجوهرية والتي يمكن وصفها بأنها جذرية غيّرت الصورة التقليدية التي يعرفها البعض عن المملكة، وهو ما أثار الكثير من الأحقاد والضغائن في قلوب الحاقدين والمتربصين، والذين أرادوا للمملكة أن تظل أسيرة العادات والتقاليد كما كانت قبل عقود، غير أن القيادة الحكيمة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن خطواتها الإصلاحية في جميع المجالات لاقت ترحيباً شعبياً وساهمت في النهوض بالاقتصاد الوطني، من خلال إسهامها في تنويع مصادر الدخل، وهو ما سيسهم في الاستقرار الاقتصادي للمملكة على المديين القريب والبعيد.

من المؤكد أن المملكة -كغيرها من بقية دول العالم- لم تكن بمنأى عن النقد الهدام، والمصاحب لكل نجاح وإنجاز تتمكن من تحقيقه، غير أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في نشر تلك الانتقادات، ويعتقد البعض أن تعدد المنابر الهدامة التي تمارس النقد يضفي مصداقية على الأخبار المغرضة التي يتم تداولها وكأن المعلومة أتت من عدة مصادر، في حين أن جميع هذه المنابر المغرضة موجهة، ويتم تناقل الانتقادات فيما بينها، وكل منبر يضيف المزيد من الأكاذيب على أكاذيب المنبر الآخر، لذلك فإنه من المهم أن يتفهم المواطن من أين تأتي تلك الهجمات ولماذا وكيف تدار وتكتسب قوة دافعة، من يطلقها ومن يموّلها ومن يروّج لها ومن ينفخ فيها.


بداية يمكننا تقسيم مصادر تلك الهجمات المغرضة إلى خارجية وداخلية، لكل منها أسلوبها ونطاقها وأسبابها وداوفعها ونتائجها، فالهجمات الخارجية قد تكون إقليمية أو دولية، فإيران على سبيل المثال لا تدخر وسعاً في تجنيد العشرات من المنابر الموجهة ضد المملكة بعد أن أصابها اليأس والإحباط من قدرتها على زعزعة أمن واستقرار المملكة، ولا يخفى على الجميع الرغبة العارمة لإيران في التوسع خارج حدودها، لكن أحلامها التوسعية تحطمت على صخرة المملكة الصلبة، وخاصة بعد الإصلاحات القوية التي خاضها فارس ومهندس الإصلاحات الأمير الشاب محمد بن سلمان.

أضف إلى ذلك فإن بعض الدول الغربية تسعى لممارسة أنواع مختلفة من الضغوط على المملكة لتجعل سياساتها الاقتصادية والدولية تسير في فلكها وكأنها إقليم تابع لها، والولايات المتحدة رفعت منذ عقود شعاراً انتهازياً وهو «إما معنا أو علينا»، وهي تريد من الدول الأخرى أن تكون سياساتها الاقتصادية منسجمة مع مصالحها الخاصة، ولقد تمثلت سياسة بعض الدول الغربية في ممارسة الابتزاز والضغط على الدول الأخرى التي لا تسير في فلكها في الاستعانة بالعناصر المأجورة، وهذه الفئة بطبيعتها خائنة يملؤها الحقد وتلهث وراء الشهرة والمال معاً.

مسيرة النقد الموجه للمملكة من بعض الدول الغربية تسير في خطين متوازيين؛ الخط الأول منها هو تجنيد الصحافة الصفراء في تلك الدول، من خلال الاستعانة ببعض الأقلام المأجورة لتشويه كل إنجاز تقوم به المملكة من خلال تقديم معلومات مغلوطة لا أساس لها من الصحة، أما الخط الثاني فهو يتمثل في إيواء بعض المحرضين وفتح المنابر الإعلامية لهم لتتسق تصريحاتهم مع الأكاذيب التي تم نشرها في تلك الصحف، فيتمكنون بذلك من إقناع البسطاء أن هؤلاء محرومون من التعبير عن آرائهم داخل وطنهم، ولذا فهم يسعون لتعريف المجتمع الدولي بما يدور في أوطانهم.

أما هجمات النقد الداخلي فتتمثل في بعض الأطراف التي لا ترغب في تغيير الواقع، تلك الأطراف التي تريد أن تظل المملكة والمجتمع بأكمله أسيرة للعادات والتقاليد التي سادت خلال العقود الماضية، والتي ساهم في غرسها الفكر الصحوي لفترة طويلة، ومن المؤكد أن مسيرة الإصلاح التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان وأبرز معالمها هو مكافحة الفساد في جميع المؤسسات الحكومية دون هوادة، وفّرت للمفسدين زخماً قوياً وفتحت شهيتهم على النقد بكافة صوره وأشكاله، لكن مسيرة الإصلاح الحالية أكثر رسوخاً ويجب ألا تقف عند تلك الرؤى الشخصية التي يتبناها المغرضون، فالمصلحة العامة تمس شعباً حاضراً ومستقبل شعب بأكمله، ولا يمكن أن تتوقف بأي صورة أمام ترّهات بعض الحاقدين ممن يرغبون في احتكار سيرورة المجتمع لأنفسهم فحسب.

لطالما مارست هذه الفئة ضغوطها على الشارع السعودي لعقود طويلة من خلال النقد، وهي تهدف أول ما تهدف إلى تأليب المواطن على قيادته، ومن هذا المنطلق تتم صناعة الفوضى والاضطرابات وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام أوجه التدخل الإقليمي والدولي، وتصبح الدولة مسرحاً للصراعات والحروب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر، ومن هنا فنحن نثمّن جهود الدولة في رأب الفتن قبل حتى اندلاعها واستئصال بذور الفتن قبل أن ينجح المغرضون في بذرها داخل تربة وطننا الغالي.

من المؤكد أن جميع منابر النقد موجهة لخدمة هدف وحيد، هو بث الفتن والاضطرابات في هذا البلد الذي أثبت على مدار التاريخ أنه بفضل الله آمن مستقر، وقد أثبتت قيادة المملكة أنها على وعي بكل تلك المؤامرات والفتن وأنها قادرة على الوقوف في وجهها، والمملكة منذ تأسيسها لا تقبل بأي حال من الأحوال إخضاعها للضغوط أو الانقياد لأي نوع من أنواع الابتزاز بكافة صوره وأنواعه، وهو ما يؤكد لنا أن هؤلاء المؤلبين والحاقدين عالقون في طريق مسدود لا يستطيعون النفاذ منه، فهم خائنون منبوذون مرفوضون، تؤيهم قبور الغرباء عندما يموت كل منهم وحيداً مهمشاً يحتقره التاريخ وتلعنه الأجيال الحالية والقادمة.