-A +A
حمود أبو طالب
كم هو رائع أن نحتفي برموزنا في كل مجال، وكم هو أروع أن نكون أوفياء لمن رحل منهم، باحتفاليات باهرة كما حدث ليلة البارحة في الرياض احتفاءً بتأريخ الفنان الكبير الراحل طلال مداح رحمه الله.

المجتمعات الإنسانية السوية الراقية هي التي تخلد رموزها في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، هي التي تمنع اندثارهم في حقب التأريخ، هي التي تمنحهم حصانة ضد النسيان بالحرص على بقائهم في المشهد بأي طريقة وأي أسلوب، هي التي تجعل أسماءهم وإبداعاتهم غير قابلة للتلاشي، هي التي تعتبرهم ثروة إنسانية ووطنية من الواجب الاعتزاز بها والتباهي بتأريخها، وتكريمها بفضيلة الوفاء لها.


أتذكر جيداً كيف امتعض مني البعض وهاجمني البعض عندما كتبت مقالاً بعد وفاته على المسرح وهو يمنح الناس السعادة، تمنيت حينها لو يتم إطلاق اسمه على المسرح الذي صدح منه في آخر لحظة من عمره، ومضت الأيام لتتحقق تلك الأمنية التي أسعدت كل من أحب طلال، الفنان العظيم والإنسان الأعظم ببساطته وعفويته وفلسفته للحياة.

ونتذكر أيضاً ذلك الجدل البغيض الذي لم يتورع بعض الغلاة في إثارته حول مشهد ومكان وفاته، وعن الفن عموماً، في الوقت الذي لم يجف فيه الماء بعد على قبره. لقد آذوا ذلك الإنسان المرهف الجميل بعد وفاته أكثر مما أوذي في حياته. لقد رحل في سلام بعد أن اعتصر كل عمره فناً جميلاً راقياً لا يتكرر.

إن الاحتفالية الباذخة التي أقيمت البارحة لطلال مداح هي ليست فقط احتفاءً بفنان سعودي عظيم وضع بصمته الخاصة في وجدان كل العرب، بل هي احتفاء بالإبداع الإنساني كيفما كان، وهكذا تفعل المجتمعات الإنسانية الراقية.