-A +A
رامي الخليفة العلي
مع إشراقة شمس الأول من يناير، ارتفعت الآمال بأن العام الميلادي الجديد سوف يكون عام خروج من المآزق وقدرة العالم على إيجاد حلول للأزمات التي عصفت به خلال السنوات القليلة الماضية وعلى رأسها غلاء الأسعار والارتفاع الهائل في التضخم أو ما يسميه الاقتصاديون الركود التضخمي، والانتهاء سريعاً من الأوبئة ونهاية النزاعات الدولية التي جعلت أسلحة الدمار الشامل يتم التلويح بها مجدداً، ولكن الأماني لا تكفي وحدها لبعث الطمأنينة في نفوس مليارات البشر. العنوان الذي شغل العالم في العام المنصرم كان الحرب الروسية في أوكرانيا التي تقترب من عامها الأول دون أن يلوح ضوء في آخر النفق المظلم من الدمار والدماء والضحايا والتأثيرات السلبية على العالم برمته. بل على العكس حيث يستعد كل طرف للتحضير للربيع القادم بما يستطيع إليه سبيلاً، القوات الروسية تستميت في محاولة السيطرة على بخموت حتى ترسم حدود الصراع وتنطلق من قاعدة صلبة تمثل ما بات يعتبره الروس أرضهم (المقاطعات الأربع)، أضف إلى ذلك أن المعلومات الواردة من روسيا البيضاء تشير أن المناورات بين قواتها والقوات الروسية قائمة على قدم وساق، والمعلومات تؤكد أن روسيا في طور الإعداد لتعبئة جديدة يمكن أن تحشد أكثر من نصف مليون من الجنود الروس في المعركة. في الجهة المقابلة فإن كييف تستعد بما أتيح لها من دعم غربي لمواجهة شاملة تستعد لها في الربيع القادم، لذلك توجه زيلينسكي إلى العاصمة الأمريكية وألقى خطابه الشهير أمام الكونغرس الأمريكي وعاد بمزيد من الدعم الأمريكي المتمثل بمدرعات ومنظومات دفاع جوي وهذه تدخل المعركة لأول مرة وسرعان ما تعهدت الدول الأوروبية بمساعدات ضخمة من الأسلحة الثقيلة.

الأزمة الحقيقية أننا أمام معادلة صفرية لا يبدو أن هناك فسحة من الأمل أن أي طرف يمكن أن يتنازل للطرف الآخر. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضع بيضه كله في سلة هذه الحرب وأصبح التنازل عن الأهداف المعلنة ضربة قاصمة لسياسته قد لا يستفيق منها مرة أخرى، وبالتالي لا بد من تحقيق هذه الأهداف. روسيا تعتبر نفسها قوة عظمى وإذا كانت كذلك فإن عليها أن تحقق أهدافها، وعدم تحقيق تلك الأهداف يعني الهزيمة المدوية التي يرفض بوتين حتى التفكير بها. أما الطرف الآخر أي الأوكراني فهو يعتقد أن أزمته مع موسكو ليست أزمة حدود ولكنها أزمة وجود، وبالتالي القبول بالشروط الروسية يعني القبول بالقضاء على الدولة الأوكرانية، ومسألة السيطرة على كييف من قبل موسكو تصبح مسألة وقت لا أكثر، وبالتالي لا بديل عن صد القوات الروسية واسترجاع الأراضي التي احتلتها، وهذا ما عبر عنه زيلينسكي مراراً وتكراراً. الجانب الغربي بات يرى أن أي موافقة على تحقيق أهداف روسيا يعني اتفاقية (ميونيخ) جديدة تطلق يد زعيم جديد في القارة العجوز، لذلك فلا بديل عن دعم أوكرانيا وإلا فإن النتائج ستكون كارثية. الطرف الوحيد الرابح من هذه الحرب حتى الآن هي واشنطن التي كرّست هيمنتها على الغرب عموماً.


هذه الحرب جرّت الجميع إلى مآزق بلا حدود ولا يبدو أن هناك أفقاً لنهايتها.