-A +A
حمود أبو طالب
ما حدث في معرض جدة للكتاب الذي انتهى يوم أمس ظاهرة تستحق الحديث عنها، لأنها تكاد تكون غير مسبوقة مقارنةً بالمعارض السابقة، ولأنها استطاعت تصحيح بعض الفرضيات المتعلقة بالكتاب الورقي في عصر الرقمنة، ولأنها أيضاً بمثابة مؤشر قوي وحقيقي على شغف المجتمع بالقراءة والاطلاع في كل مجالات الثقافة والأدب والفكر والعلوم. يكفي فقط ملاحظة الزحف اليومي لأرتال السيارات باتجاه مقر المعرض، وازدحام ممراته طوال ساعات عمله، وصعوبة أو استحالة العثور على موقف في اليومين الأخيرين بالذات مع تكدس كبير يندر مشاهدته في معرض آخر. هذه الظاهرة المبهجة تشير الى أشياء كثيرة ربما يكون أبرزها:

أولاً: أن فرضية انحسار الاهتمام بالكتاب الورقي غير صحيحة مطلقاً، فمهما توفرت الكتب إليكترونياً إلا أن الكتاب الورقي يظل حاضراً بقوة، ولن يحدث إغلاق المطابع التي تدفع به طازجاً للقارئ الذي ينتظره ويحتفي به ويقلب أوراقه بحميمية ويضيفه بحب إلى مقتنيات مكتبته.


ثانياً: أن المجتمع السعودي بكل فئاته مهتم جداً بالكتاب. نعم هذا القول صحيح تماماً، فقد اكتظ المعرض بمختلف الفئات العمرية. قد يقول قائل إن نسبة منهم، قد تكون كبيرة، ذهبت للفرجة على المعرض كحدث وليس بالضرورة لاقتناء الكتاب، هذا الاحتمال تدحضه مشاهدة الزحام في معظم أجنحة دور النشر والطوابير أمام محاسبيها لدفع أثمان الكتب، وأيضاً تأكيد كثير من مسؤولي الدور على ارتفاع نسبة مبيعاتها. إذاً نحن إزاء مجتمع قارئ بشكل يثير الإعجاب والدهشة، وأي مجتمع بهذا المستوى من التوق للمعرفة يمكن الاطمئنان على حاضره ومستقبله.

ثالثاً: إن هيئة الأدب والنشر والترجمة برؤيتها وفلسفتها واستراتيجيتها وأساليب عملها استطاعت أن تبث روحاً جديدة في معارض الكتب منذ توليها مسؤولية الإشراف عليها. فعلى سبيل المثال كان البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض ثرياً ومتنوعاً وجاذباً لكل الاهتمامات، خرج بالثقافة من دائرتها التقليدية النمطية الكلاسيكية إلى فضائها الكبير الذي يحتوي كل المعارف والاهتمامات والفنون الإنسانية، وناقشت مواضيعه قضايا حيوية مهمة في مجالات بعضها لم يسبق نقاشها، بالإضافة الى حضور الفن والموسيقى التي أضفت على المعرض لمسات جميلة.

يؤكد الواقع من خلال النقلات النوعية في معارض الكتب منذ إنشاء هيئة الأدب والنشر والترجمة أننا أمام فكر متطور في إدارتها، كما يؤكد أن المجتمع السعودي شعب قارئ بامتياز، وهنا مبرر السعادة به والتقدير له.

لقد عاشت جدة كرنفالاً ثقافياً عظيماً تنتظر بشغف موعده القادم.