-A +A
عبداللطيف الضويحي
وكأن شيئاً لم يكن.. خلال ساعات غرقت مدينة جدة بعد زخات من المطر استمرت قرابة نصف يوم، أغلقت الأمطار شوارع عروس البحر الأحمر. فلماذا تتكرر معاناة جدة مع كل موسم أمطار منذ سنة 2009؟ ما الذي يجري هناك؟ ما الذي يمكن أن تقدمه الجهات المسؤولة بعد كل الإجراءات والاحترازات والتدابير التي تم الأخذ بها على خلفية أزمة 2009؟ ما الذي يمكن أن نفهمه بعد كل تلك الإجراءات والاحترازات والتدابير؟

لنفترض أن كميات الأمطار هذا العام بلغت رقماً لم تبلغه من قبل، وهو 181، حسب البيانات الرسمية، هل يمكن قبول هذا التفسير؟ إذا كان البعض يعزو المشكلة للتغير المناخي الذي انعقدت قمته في شرم الشيخ على مسافة أيام من أمطار جدة، هل يمكن أن يعفي التغير المناخي من المسؤولية والمساءلة، خاصة أن إصلاحات البنية التحتية بدأت بعد أزمة 2009؟


أم أننا بدأنا مرحلة العلاج للبنية التحتية قبل مرحلة التشخيص؟ هل تمت إجراءات العلاج قبل الوصول لجذور المشكلة، فتكررت كارثة 2009؟

هل غرق جدة المتكرر هو مشكلة إدارية ناتجة عن تعدد الجهات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية المسؤولة عن المياه سواء مياه المطر أو غيرها من مصادر المياه؟ وهل أصبح الماء قضية ضاع دمها بين القبائل الإدارية؟

في ظني، إذا استثنينا الأجهزة التنفيذية وطواقمها الإدارية والفنية والتي تتحمل بلا شك مسؤولياتها التنفيذية، فإن مشكلة تصريف الأمطار في جدة وفي غير جدة تتحملها في المقام الأول وزارة البيئة والمياه والزراعة، لأنها المسؤولة الأولى عن الحفاظ على المياه بما فيها مياه الأمطار ومعالجة مياه الصرف الصحي وتحلية مياه البحر إلخ. فلماذا تفصل هذه الوزارة بين أهداف المياه وأهداف البيئة وأهداف الزراعة؟ من خلال أزمة الأمطار في جدة يبدو لي أن هناك تضارباً أو عدم انسجام بين الأهداف البيئية والزراعية وأهداف المياه، وهي مشكلة تحدثت عنها في أكثر من مقال. أليس بمقدور الوزارة إيجاد نظام يدفع مياه جدة عبر أنابيب خارج مدينة جدة وخارج كل المدن ليصب في خزانات إستراتيجية تحت الأرض بعد معالجتها ليتم استخدامها حسب نوعيتها أو حسبما أُعدت له هذه المياه بالتناغم مع أهداف الزراعة وأهداف المياه وأهداف البيئة؟ ولماذا لا تتخادم أهداف البيئة والمياه والزراعة والتي قد تكون في الأساس منسجمة مع بعضها ولكن عند التنفيذ وبسبب الصناديق الإدارية؟

ثم لماذا تحجم الوزارة عن إقامة شبكة أنابيب مياه تسقي المملكة من أقصاها إلى أقصاها من خلال ضخ مياه الأمطار والمياه المعالجة في تلك الشبكة بما يسهم بتحقيق مبادرة السعودية الخضراء؟ لماذا الإصرار على أن الأمطار في جدة هي مشكلة يجب التخلص منها وليست فرصة يجب استثمارها في تحقيق السعودية الخضراء وربما الشرق الأوسط الأخضر؟ والتوسع بالزراعة المائية والمزارع الذكية بما يخدم صغار المزارعين خاصة في المناطق المؤهلة ثقافياً وزراعياً لزراعة بعض المحاصيل والإنتاج الحيواني؟

لماذا تستمر الوزارة ببناء السدود، محدودة الفائدة زمنياً ومكانياً وبشرياً، وتغض الطرف عن مشروع شبكة الأنابيب التي هي أشمل مساحةً وأكثر فائدةً وأكثر جدوى اقتصادية وأكثر استدامة للمياه والزراعة والبيئة؟ لماذا لا يتم إخراج أزمة مياه جدة من الصناديق الإدارية المغلقة على مسؤوليات محدودة ومسؤولين محددين، وتعاد القضية إلى الأم (وزارة البيئة والمياه والزراعة) لتصحيح مسارها الذي ضاع على ما يبدو بين الصناديق الإدارية المغلقة من ناحية، وضاع كذلك بين إستراتيجيات الوزارة الثلاث وأهدافها الرئيسة الثلاثة. من هنا يفترض أن أزمة مياه جدة يجب أن تتحول إلى فرصة تتغذى منها شبكة وطنية من الأنابيب المرتبطة والعابرة لكل مدن وصحارى المملكة وأن تذوب مع هذا المشروع الحواجز الوهمية بين أهداف الوزارة الثلاثة، وهذا شرط أساسي لتنفيذ هذا المشروع الوطني الشامل بعيداً عن الصناديق الإدارية المغلقة والقبائل الإدارية المنكفئة على نفسها.

لقد كتبت مراراً ومن خلال عدة مقالات في «عكاظ»، بأن شبكة أنابيب مياه الأمطار والمياه المعالجة العابرة لكافة مدن المملكة وصحاريها تحقق كل ما تحققه السدود وأكثر من ذلك بكثير، والشبكة هي حجر الزاوية لإستراتيجية المياه وإستراتيجية الزراعة وإستراتيجية البيئة، وقد تكتشف الوزارة في هذا المشروع حجم الفجوة بين الإستراتيجيات الثلاث عند التطبيق لو شاءت.