-A +A
عقل العقل
مع سقوط الأنظمة الشمولية أو بعضها في عالمنا العربي لم تتفتق وتزهر الديمقراطية والحرية، التي وصلت أدواتها على الدبابات الأمريكية في غزو العراق بصورة توقع البعض معها أن إزالة نظام صدام من العراق سوف يخلق نظاماً مثالياً من حيث حقوق المواطنة والمساواة والعدالة ودولة الخدمات في بلد يعد الأغنى من حيث الموارد الطبيعية والبشرية، ولكن النتيجة كارثية بامتياز حيث صمم النظام السياسي هناك بالمحاصصة على أساس طائفي وقومي، وأسس هذا النظام لحروب داخلية بين مقومات مجتمعه، حروب بين طوائفه الدينية واثنياته العرقية استمرت سنواتٍ وأدخلته في مرحلة لاحقه في حرب مع تنظيمات إرهابية متوحشة مروراً بالقاعدة ونهاية بداعش، مر العراق بمرحلة هدوء نسبي بعد هزيمة داعش، واتجه نحو الهدوء النسبي في السنوات الماضية، ولكن مسألة الانتخابات ومخرجاتها بعثت جذور الأزمة من جديد، فلم تتشكل حكومة للتيار الأكبر في البرلمان، وتعقدت الأزمة بين التيارات الشيعية، التي لها أذرعها المسلحة، وانفجرت الأزمة الأخطر في عراق ما بعد 2003، سوف يظل العراق يعاني عدم الاستقرار السياسي والأمني ما دامت الأحزاب الدينية بشقيها السني والشيعي تسيطر على المشهد العراقي، للأسف هذه المجموعات وأتباعها لا تتبع قواعد اللعبة السياسية من حيث مخرجات العملية السياسية، فبعض هذه الأحزاب ولاؤها والأوامر الصادرة تأتي لها من خارج الحدود، وولاؤها للعراق يأتي في مراتب متأخرة مقارنة للولاء للمرجعيات الدينية العابرة للحدود. في الحراك المدني الذي شهده العراق في السنوات الأخيرة، بدأت تتشكل مجموعات سياسية لها ثقل في الشارع المحلي وحققت بعض الانتصار في الانتخابات الأخيرة، وهذه نقطة تبشر بالأمل على ما سوف يكون عليه وضع العراق في المستقبل، ولكن الطريق طويل والآلام موجعة للوصول إلى وطن يعيش تجربة سياسية حقيقية بعيداً عن الخلط العجيب بين الدين والسياسة بتعقيداتها التي تتطلب حكومة علمانية تحيد الدين عن الأوضاع السياسية وتقف بشكل محايد من جميع الأديان والمذاهب، البعض يراهن على نجاح التجربة العراقية الحالية، ولكن ما دام التصويت يتم على أساس طائفي فإن فرص النجاح ستظل ضئيلة، والإشكالية التي تزيد الأمور تعقيداً أن من يتحكم في قلوب تلك الملايين مرجعيات طائفية خارج الحدود.

العاصمة الليبية شهدت تقاتلاً عنيفاً استمر ساعاتٍ، خلّف العشرات من القتلى، وتعطلت المصالح واختبارات الطلبة بين تيارات سياسية لها مرجعيات دينية إخوانية فشلت الأمم المتحدة والقوى الغربية في حل هذه الأزمة المستمرة في بلد متجانس نوعاً ما من حيث الأديان والطوائف، ولكنه يعيش تمزقاً وتدخلات لقوى إقليمية مثل تركيا الداعمة لفصائل إخوانية. إننا نعيش حقبة ومرحلة سيطرة الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني، وباعتقادي أننا نشهد خواتيمه وسوف تكفر الشعوب العربية بحركات الإسلام السياسي، فدول مثل العراق وليبيا غنية بالنفط يعاني مواطنوهما من نقص الخدمات والرعاية الصحية، ويأتيان في ذيل دول المنطقة من حيث درجة الاستقرار والرخاء كله بفضل محاولة الأحزاب الدينية السني منها والشيعي للسيطرة على موارد تلك الدول، كل هذا يتم باسم الدين والترويج للبسطاء من تلك الشعوب بأنهم حماة الدين والوطن، وهم للأسف أو غالبتهم فاسدون ناهبون لخيرات شعوبهم وأوطانهم، وأبناؤهم في أفضل الجامعات الغربية وعوائلهم يسكنون في المدن الغربية بعيداً عن الاقتتال الداخلي في أوطانهم، لن يتعدل حال العالم العربي إلا بإبعاد الأحزاب الدينية عن المشهد السياسي غير ذلك سوف نستمر بدوامة العنف وحروب الطوائف والجميع يعتقد أنه ينطق باسم الدين والباقين كفرة.