(تصوير: بندر الجلعود)
(تصوير: بندر الجلعود)
-A +A
مها بنت حمد اليوسف
بعد سحابة صيف في سماء العلاقة مع الصديقة الولايات المتحدة الأمريكية، يبعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بدعوة لرئيس الولايات المتحدة (جون بايدن) لزيارة المملكة وحضور قمة خليجية عربية، سبقت ذلك الزيارات الاستثنائية لولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لجمهورية مصر ومملكة الأردن والجمهورية التركية، وما حققته تلك الزيارات من أهمية في هذا الوقت على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات سترسم مستقبل المنطقة. وهنا نتذكر رسالة بعث بها رجل الأعمال الأمريكي (تشارلز كرين) في 21/‏‏1/‏‏1393هـ إلى الرئيس (روزفلت)، حيث قال عن المؤسس الملك عبدالعزيز (يرحمه الله): «إنه رجل حكيم، ويعتمد في معاملته على الحلم وما تبعه من صفات، فبالحلم والأخلاق كان يدير شؤون بلاده، وكانت هذه الصفات هي منهجه في معاملته مع أبناء شعبه، ولقد التقيت ببعض خصومه السابقين، فوجدتهم الآن من أكبر أعوانه ومن أكثر المطيعين والمؤيدين له، ويعود هذا إلى ما تحلى به من حلم؛ وهو النهج والأسلوب الذي يعامل به خصومه بعد انهزامهم واستسلامهم..» سيسطّر التاريخ مواقف المملكة التي لطالما كان نهجها.

منذ تأسيس المملكة وبلادنا الغالية في سباق مع الزمن لبناء دولة عظيمة حباها الله بقيادة رشيدة وشعب وفيّ. توالت السنين وتوالى الملوك من أبناء المؤسس رحمهم الله جميعاً وأطال الله في عمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ليرى المراقب ومدوِّن التاريخ النقلات النوعية التي شهدتها المملكة خلال تلك السنين حتى يومنا الحاضر. واليوم لا أحد يغفل عما يسطره التاريخ في هذه الفترة من حكم آل سعود (أدامهم الله) لشبه الجزيرة العربية، فما تمر به بلادنا في هذا العصر يعتبر إعادة بناء للمملكة لوجه جديدة واضح الملامح يلمع في الأفق. المملكة اليوم تشكِّل قوة سياسية واقتصادية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وتعد الثقل الذي يحدث التوازن في المنطقة وقوة مؤثرة في الساحة الدولية، المملكة عضوة في مجموعة العشرين ومنظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» ومنظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي وغير ذلك من المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية.


فمنذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز زمام الحكم في عام 2015م، بدأ زمن التغيير بصدور أوامر ملكية سامية لنفض الغبار، حيث شهدنا حملة مكافحة الفساد وإعادة الأمور إلى مجراها السليم وفي هذا يطول الحديث، وليس بمستغرب على الملك سلمان (حفظه الله) فهو من يحق الحق ويبطل الباطل عندما كان أميراً للرياض، ولا يزال نبراساً للعدل والسلام، وعندما يستنجد من له مظلمة يقول بلهجته العامية «والله ما يردني إلا سلمان». لقد بدأنا نلاحظ ملامح التغيير في قطاعات كثيرة؛ من أهمها التعليم، الذي عاث فيه الفكر المتشدد حقبة من الزمن بأجندات سياسية لها طموحات يسيل لعابها لذرة من أرض هذه البلاد المباركة لكن هيهات هيات، فنحن السعوديين نختلف عن باقي الشعوب، وقد أثبتنا ذلك في مواقف عدة، خاصة خلال ما سمي بالربيع العربي عندما غدرت الشعوب بحكامها. فنحن شعب وفيّ، وولاؤنا لقيادتنا ولوطننا دوماً وأبداً.

تشهد المملكة اليوم نمواً اقتصادياً وثقافياً وسكانياً ملحوظاً لم تشهده من قبل، واضعة الخطط الإستراتيجية والمبادرات لمصلحة المملكة أولاً ثم المنطقة بشكل عام، فاهتمت بالبيئة والإنسان والطاقة المتجددة والصناعة، وفي هذا السياق تبرز الرؤية الطموحة 2030، التي أثبتت نجاحاً باهراً، فمنذ انطلاقتها عام 2016م حتى اليوم، تحقق الكثير مما أبهر العالم في غضون سنوات قليلة، وما هذا إلا بفضل من الله ثم بفضل مليكنا وولي عهده الأمين (يحفظهما الله) وشعب هميم. فعندما قال محمد بن سلمان مقولته المشهورة «طموحنا عنان السماء» ترجم سموه ذلك بجهوده الجبارة في مسيرة التغيير، وعندما قال سموه: «إنني أعيش بين شعب جبار وعظيم، ولا أعتقد أن هناك أي تحديات أمام الشعب السعودي العظيم» فقد وضع أمام ناظريه طموح الشباب وتمكين المرأة وكل مواطن سعودي ينشد التقدم والازدهار.

دعم سموه المجتمع ليصبح حيوياً فعالاً يعيش بنمط حياة مستقرة في بيئة صحية وتعليمية وثقافية خصبة، وأحيا التراث والحضارة السعودية، ودعم الاقتصاد فازدهر واحتضن المهارات والكفاءات السعودية بالدرجة الأولى فتفوق السعودي وأصبح صيته يصدح في الآفاق، وتوفرت الفرص لريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وازدادت فرص التوظيف في القطاع الحكومي والقطاع الخاص وتقلصت البطالة. لم يقف سموه عند ذلك فحسب بل دعم الصناعة والزراعة والتقنية والطاقة والسياحة والرياضة، واضعاً الشباب والمرأة في أولويات الرؤية كعنصرين هامين في النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.

وحيث إن الأسرة واستقرارها من أهم عناصر استقرار الفرد والمجتمع، ففي هذا العهد المبارك تم تصحيح مفاهيم خاطئة تخص شؤون المرأة تتعلق بالولاية والقوامة والوصاية وحضانة الأبناء والنفقة وحقها في الانتقال والحركة، أما في سوق العمل فقد أصبحت للمرأة خيارات عدة تتناسب مع ما تواجهه المملكة من تحديات في الاستثمار، في الطاقات البشرية، وتنوع الاقتصاد حتى أصبح النصف الآخر من المجتمع فعّالاً ومشاركاً في دفع عجلة التنمية. حيث تقلدت المرأة مناصب عليا ومتوسطة ودخلت المجال العسكري والأمني والقضائي وتضاعف عدد الموظفات في السلك الدبلوماسي وأصبح لها حضور دولي ملحوظ.

هذا الأمير الشاب الذي صنع التغيير، بل المعجزات، في زمن قصير، استطاع أن يحرك عقارب الساعة إلى الخلف إلى وقت كانت المملكة تسير ببطء بسبب ثقافة دخيلة عليها سيّرت العقول وعرقلت التنمية، جاء سموه ليصلح ما أفسده الزمن وكأن المملكة لم تمر بأربعين عاماً من الغفوة، إنه محمد بن سلمان شخصية ندر أن تتكرر في هذا الزمان، بل قد نسميه «مؤسس السعودية العظمى». إن ما يقوم به إنما هو امتداد لشخصية جده المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله) وتربية والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك الحزم والعزم، فاجتمعت فيه القوة والحكمة والنظرة الثاقبة تحركها روح الشباب والشغف للوصول إلى القمة.

ختاماً، فإن الحديث عن المملكة يطول لا تسعه الكلمات ولا التقارير ولا الكتب، بل نقول لمليكنا وسمو ولي عهده الأمين سيروا ونحن من ورائكم نمشي على خطاكم ونلبي نداءكم «سمعاً وطاعةً». حفظ الله بلادي حكومة وشعباً.