-A +A
رامي الخليفة العلي
قبل أسابيع قليلة، حمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ملفاته ويمّم وجهه شطر العاصمة السعودية الرياض؛ لأنه أدرك أن المملكة هي المبتدأ وهي الخبر في حل كل أزمات المنطقة وهمومها وشجونها، وهناك عادت أنقرة إلى شروط المصنع في رسم سياستها الإقليمية؛ حيث الاقتراب من الرياض يعني أن تركيا يمكن أن تلعب الدور الذي تريده وفق هامش المصالح المشتركة التي تضعها القيادة السياسية في المملكة. ومن المفيد التذكير أننا كنا نرى تلك اللحظة التي يعود فيها الجميع إلى الرياض رأي العين، في ذروة موجة الهجوم على المملكة قبل سنوات خلت؛ لأن هذا هو منطق التاريخ والجغرافية والحضارة والسياسة. تقاطر المسؤولون من مختلف دول العالم خلال الأسابيع الماضية إلى العاصمة السعودية وهم يدركون أن المملكة أصبحت بيضة القبان في التوازنات الإقليمية والدولية، وهم يدركون أن المدينة النجدية تتقاطع فيها خطوط الشرق والغرب، تستقبل لافروف كما تستقبل بلينكن، يحط المسؤولون الصينيون رحالهم فيها كما مسؤولو الدول الغربية، تصبح رقماً صعباً في معادلات الطاقة، فتتحول إلى اللاعب الأبرز الذي ينتظر الجميع قراره. لكن الرياض لا ترى مصالحها وحدها وإنما ترنو بعينيها إلى أشقائها العرب، فيبدأ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جولة تقوده إلى القاهرة وعمّان وأنقرة، لتنسيق الجهود ولبناء رؤى مشتركة تجعل الدول العربية تتحدث بلسان واحد في التحديات القادمة.

طبع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السياسة الخارجية في المملكة بطابعه، حافظ على النمط التقليدي للسياسة السعودية من خلال النفس الطويل في التعامل مع التحديات، بالمقابل الندية وحديث المصالح المشتركة هي سمة سعودية انتقلت لتكون طابع السياسة العربية، ولعل ذلك يتبدى في التعامل مع التناقضات والتباينات والتوترات على المستوى الدولي، فالمملكة لديها أفضل العلاقات مع الصين وروسيا كما مع الولايات المتحدة، المملكة كما الدول العربية الأخرى أخذت موقف الحياد الإيجابي من الصراع في أوكرانيا. التغيرات على المسرح الدولي، والحرب الروسية في أوكرانيا وأزمة الطاقة وأزمة الغذاء التي تلوح في الأفق، وقبل ذلك وبعده السياسة العربية بقيادة المملكة العربية السعودية، كل ذلك كانت من نتائجه الأولى سقوط نظرية تراجع أهمية الشرق الأوسط، وهذا ما دفع الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إلى التراجع عن سياسته السابقة اتجاه المنطقة والركون إلى الواقعية السياسية، هذا ليس خياراً وإنما هي مصالح الولايات المتحدة، الرئيس الأمريكي يستجيب للمنطق الذي فرضته الرياض. بايدن وهو يشد رحاله إلى قمة جدة عليه أن يدرك أننا في مرحلة مختلفة، وأن الحوار وبناء مساحات مشتركة وبناء مصالح مشتركة، هو العنوان للعلاقات الاستراتيجية مع دول المنطقة وعلى رأسها المملكة، أليس الأمريكان من أخبرونا بأنه لا يوجد صداقات دائمة وإنما توجد مصالح دائمة.


ها هي المنطقة كما توقعها الأمير الشاب قبل سنوات عدة، تصبح محور التنمية ومنطقة واعدة، وها هي الرياض شامخة وعزيزة وأبية كما جبل طويق.