-A +A
أسامة يماني
الإجابة على هذا السؤال تجعلني أولا: استحضر ما ذكرته في مقال سابق أنه قد حان الوقت على الولايات المتحدة الأمريكية إعادة النظر في الطريق الذي تنتهجه، وضرورة تعديل المفاهيم التي اختلطت عند اليسار الأمريكي الذي يرغب ويريد فرضه بطريقة الكابوي على العالم وحتى على الداخل الأمريكي. أمريكا تحتاج لأن تتصالح مع نفسها قبل أن تتصالح مع غيرها، فقد فقدت واشنطن كثيراً من مصداقيتها على كافة الأصعدة.

الخطورة أن أمريكا مازالت ترفض فكرة أن كل إمبراطورية لا بد إلى زوال، يقول المؤرخ أرنولد تونيبي، في كتابه «دراسة التاريخ» الذي يستكشف فيه عوامل نهوض 28 حضارة وانهيارها، إن الحضارات العظيمة تحمل في طياتها أسباب زوالها، وتنحدر من تلقاء نفسها نحو الاضمحلال. وهناك أيضا عدة عوامل خارجية تسهم في السقوط. على سبيل المثال سبب انهيار الإمبراطورية الرومانية يرجع لعدة أسباب منها «التوسع الاستعماري المفرط والتغير المناخي والتدهور البيئي وضعف القيادة». وعلى أية حال، إن الانهيار مرحلة طبيعية تمر بها الحضارات، مهما اختلف حجمها أو تطورها.


الأحداث تظهر أن الولايات المتحدة حتى الآن لا تدرك أو لا ترغب في إدراك أن نفوذها إلى اضمحلال. لأنه إذا أدركت أمريكا تراجع نفوذها لكانت بادرت إلى إدارة هذا التراجع بشكل سليم تحاول فيه أن تتجاوز مشاكلها كما فعلت بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. فالعملة الأمريكية ليس لها غطاء، والاقتصاد الأمريكي يعتمد على الخدمات بدلا من الإنتاج الصناعي، حيث بلغ العجز الأمريكي (3.1) تريليون دولار، ومما يفاقم المشكلة تكلفة الحروب الباهظة والعديدة التي دخلتها أمريكا -ونفقات مئات القواعد العسكرية التي تنشرها حول العالم- وتستنزف ما تبقى من القدرات الأمريكية.

إن حالة الإنكار أو عدم الرغبة في تدارك ما يمكن تداركه يجعل أمريكا شريكاً غير موثوق فيه. ويزيد المشكلة سوءاً سيطرة اليسار الأمريكي والرأسمالية المتوحشة، التي ترى في الحروب محركاً لكسب المال والتحكم والهيمنة على خيرات الدول والأمم. فضلاً عن أن العلاج للتراجع الأمريكي يتطلب تنازلات لا تسمح بها التركيبة السياسية الأمريكية ولا الحسابات الانتخابية قصيرة الأمد ولا الخطاب السياسي الذي رسخته أمريكا ومكينتها الإعلامية على مدى عشرات السنين.

أمريكا تحمّل شركاءها فواتير باهظة، ولا تقبل بالاختلاف. يقول المفكر الأمريكي جون مارشيمير، الذي كسب شهرة واسعة بعدما تنبأ بأزمة أوكرانيا-روسيا قبل حدوثها بسنوات «عندما تقول أمريكا إنها تريد نشر الديمقراطية في بلد ما، فهذا يعني أنها تريد إسقاط نظام تلك الدولة»، ويضيف «أمريكا لا تهدف لنشر الديمقراطية، بل لتعيين حكومات موالية لها».

المبادئ تتغير حسب مصالحها، وباعتراف سفير أمريكا السابق لدى روسيا أقر بأن أمريكا تكذب. ومثال على تغيير موقفها وبدون مقدمات تغير موقف أمريكا من فنزويلا، حيث ذكر نائب رئيس فنزويلا، ديلسي رودريغيز، أن الولايات المتحدة سمحت لشركات النفط الأمريكية والأوروبية باستئناف العمل في فنزويلا. في حين أن تركيا عضو الناتو والحليف لأمريكا طالبت بعض الصحف الأمريكية بطرد تركيا من حلف الناتو لأنها تقف عقبة في طريق رغبة أمريكا قبول ضم السويد وفنلندا إلى حلف الناتو.

كل هذه الأسباب وغيرها تكشف بجلاء أن أمريكا تعاني داخلياً وخارجياً وتتصرف كفيلٍ جامح يدفع من حوله إلى صراعات وتوترات تشكل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن العالمي.

وللأسف الشديد أمريكا -في رأيي- شريك لا يوثق به.