-A +A
محمد الساعد
يبدأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جولته المرتقبة القادمة من مصر، وهي عادة القيادة السياسية السعودية أن تكون القاهرة أولى محطاتهم في أي جولة بهذا الحجم وبهذه الرسالة التي تحملها.

زيارة ولي العهد السعودي تستند على رؤية الرياض ومرجعيتها السياسية الممتدة لأكثر من مئة عام، وتتبنى رؤية القيادة التي تنظر لمصر كحليف وشريك دائم في هذا الإقليم المضطرب، وما المساهمة الاقتصادية السعودية الأخيرة ودخول صندوق الاستثمارات العامة بثقله إلا تأكيد على أن الرياض لن تسمح لأي ظرف اقتصادي بتهديد القاهرة مهما كانت التحديات التي أرخت بثقلها على الاقتصاد العالمي أجمع.


دعونا نقرأ هذه العلاقة في سياقاتها التاريخية وأحداث مفصلية بارزة، وكيف استطاعت تجاوز الأزمات وسحابات الصيف، وجعلت من البلدين عاصمتين مؤثرتين لا يمكن تجاوزهما دوليا وإقليميا.

في عام 1979م، احتلت مجموعة متطرفة الحرم المكي الشريف، كان حدثاً استثنائياً في التاريخ الإسلامي، استند المتطرفون على أوهام وغيبيات وأحلام، كان موقف العالم الإسلامي والدولي من الحادثة على مستوى عال من الحكمة والدعم للإجراءات السعودية، إلا أن موقفا لافتا جاء من مصر «السادات»، خاصة مع علاقة كانت حينها في وضع بارد إن لم يكن خشنا، فالحملات الإعلامية بين البلدين في أوجها والعلاقات مقطوعة إثر زيارة السادات لإسرائيل وعقد صلح منفرد معها.

وصلت للرياض على عجل رسالة من الرئيس المصري محمد أنور السادات تلقاها الأمير فهد بن عبدالعزيز ولي العهد حينها -الملك لاحقا- نيابة عن جلالة الملك خالد رحمهما الله، الرسالة التي تجاوزت الخلافات ولم تتأثر بالحملات الإعلامية، عرضت على المملكة إرسال 100 ألف جندي من الجيش المصري ليكونوا تحت إمرة السعوديين لتحرير الحرم من الفئة الباغية، اعتذرت الرياض بلطف وامتنان، فالجيش والأمن السعودي كانا قادرين على التعامل مع الحدث مع الالتفات إلى أن 3 تحديات كان لابد من معالجتها قبل التحرير؛ وهي حماية الكعبة المشرفة والحجر ومقام إسماعيل من أضرار، تحرير الحجاج والمعتمرين الذين تحولوا إلى رهائن، وكذلك الأطفال والنساء الذين جلبتهم الفئة الباغية ليكونا ضمن مجموعتهم.

ولكي نفهم العلاقة المصرية السعودية في سياقاتها العديدة وكيف أصبحت قادرة على الاختلاف في بعض الملفات ولكن دون قطيعة ولا تجاوز على بعضهما البعض، لابد أن من جذورها الراسخة، فقد رأى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في مصر عمقا سعوديا وعربيا وإسلاميا مهما في إقليم مليء بالتحديات والمرجعيات المتصارعة، وأوصى أبناءه من بعده بهذه العلاقة، والتي واجهت بلا شك الكثير من التحديات، لكنها وبحكمة الملوك السعوديين والرؤساء المصريين تم تسويتها.

السعوديون كانوا دائما ما يضعون الخلافات والتحديات على جانب العلاقة، وبالرغم من أن فترة الرئيس عبد الناصر كانت الأكثر سخونة وتحديا، إلا أن السعوديين التزموا بالعلاقة الشعبية والجذور العميقة وأصروا على عدم التفريط فيها.

ودعونا نستذكر بعض تفاصيلها التي تشهد للطرفين بالحرص على العلاقة وعدم السماح لها بالانزلاق لأي خلاف عميق.

يروي الشاعر والكاتب الكبير فارق جويدة والذي حضر كصحفي في جريدة الأهرام مؤتمر القمة العربي في الخرطوم عام 1968م، والمنعقد لمساعدة مصر على تجاوز نكسة حرب يونيو 1967م، ما يلي:

خلال القمة تحدث الرئيس عبد الناصر عن وضع الجيش المصري في أعقاب النكسة وطلب دعم العرب للمجهود العسكري لاستعادة الأراضي المصرية المحتلة، ووجه طلبه خصوصا إلى المملكة العربية السعودية لمكانتها الاقتصادية وقدرتها على قيادة مشروع إعادة بناء المجهود العسكري المصري، حول رئيس القمة الكلمة للملك فيصل بن عبدالعزيز، الذي كانت بلاده في حالة خلاف شديدة مع مصر التي قوضت الجهود السعودية في اليمن وأرسلت مقاتليها إلى هناك. الملك السعودي قال: يا فخامة الرئيس مصر تؤمر ولا تطلب، كان موقفا سعوديا نبيلا من مصر العروبة وتجاوزا لكل الخلافات وعدم الخلط بين الموقف العروبي وأي تجاوزات مهما كانت، فمصالح الأمة ومكانة مصر تحديدا أعلى من مجرد حملات إعلامية أو سياسية.

المملكة دعمت المجهود المصري لاستعادة أراضيها المحتلة، ووصل بالسعوديين لفرض حظر على النفط الذي ساهم بلا شك في الانتصار المصري الكبير في حرب اكتوبر 1973م.

بعد تولي الرئيس محمد حسني مبارك السلطة في بلاده عام 1981م، تحسنت العلاقة السعودية المصرية كثيرا وأصبح التناغم واضحا خاصة مع المجهود العربي لمساندة العراق في حربها مع إيران، وخلال تلك الفترة وحتى احتلال صدام للكويت عام 1990، ساهمت السعودية بشكل كبير في دعم الاقتصاد المصري وتأمين حاجاته البترولية.

الموقف المصري تجلى في أبهى صوره مرة أخرى في عام 1990 خلال القمة العربية التي عقدت استثنائيا لمناقشة احتلال صدام للكويت، المصريون كانوا على مستوى الحدث وأداروا الاجتماع بما يوقف العدوان ويصدر قرار إدانة والسماح بالاستعانة بالتحالف الدولي لتحرير الكويت، بالرغم من معارضة بعض الدول العربية التي اتخذت موقفا مؤيدا للعدوان، لم تكتف مصر بذلك بل أرسلت حوالى 30 ألف مقاتل ضمن التحالف الدولي.

في عام 2013 دعم السعوديون الشعب والقيادة المصرية الذين هبوا لتحرير بلدهم من الاحتلال الإخواني، وكذلك وقف السعوديون بصلابة لحماية مصر من الطوق الدولي الذي كاد أن يعصف بها ويحولها لدولة منبوذة.