-A +A
علي بن محمد الرباعي
لو افترضنا الإسلامَ أباً، والمسلمين أولاده، فهل يفرح ويفخر الأب، بأولاد فاسدين، أو ضعيفي ذمم، أو لصوص، أو غير مهذبين، أو قاطعي رحم، أو آكلي أموال الغير، أو لؤماء؟ أو حاقدين، أو حاسدين؟ وما هي الهيئة التي يريد الأب لأولاده أن يكونوا عليها؟

إذا كان الأب (ونعم) كما نقول في أدبياتنا، والإسلام أنعم وأكرم به؛ فالمفترض أنه سيغذي أولاده بما يحفظ مقامه ومقامهم أمام الآخرين، ويُعلي شأنه وشأنهم، فيما يحرص الأولاد على أن يكونوا في مستوى عالٍ من اللياقة والأدب وحُسن التعامل احتراماً لأبيهم الذي سيذكره الناس بكل خير لأنّه علّم وربّى وزكّى وأحسن التربية، ويحق لنا أن نقول «هذا الأب غير».


وكم هو مبلغ سعادة الأب حين يسمع ثناء الآخرين على أولاده، وكم يأسف ويشعر بالغبن لو طرق مسمعه الذم، تصريحاً أو تلميحاً، ليردد؛ ليتكم مثل أولاد فلان.

ترديد آية (لا يكلف الله نفساً إلّا وُسعها) قابل للتصور والاستيعاب في العبادات، لا في الأخلاق، والسلوكيات، فالمسلم معذور في ما يعجز عنه عبادياً، وغير معذور في ما يقصر فيه أو يتجاوز به على غيره من خُلق مذموم أو سلوك مُجرّم. العبادة حق الله؛ وحق الله مبني على المسامحة والعفو والغفران والرحمة، بينما الأخلاق والسلوكيات حق المجتمع على بعضهم، وحق الدولة على شعبها، وهي مشترك إنساني داخل البلاد الإسلامية وخارجها.. وإنما أراد الله بفرضية العبادة؛ تحسين الأخلاق والارتقاء بها.

هناك من يحرص على دعوتك للعبادات (صوم، وصلاة، وصدقات)، ويُعلي شأنها على حساب الأخلاق، التي يفصّلها على مقاسه وبالحجم الذي يريده، وما يزيده اليوم في جانب ينقصه في الغد، والعكس، حتى أنك تحاول أن تفهم أو تفسّر التناقضات فتعجز عن فك ألغازها، وتتساءل كيف يفهم المسلمون إسلامهم؟

مؤكد أن المجتمعات التي تنفصم فيها عُرى الأخلاق عن أسس العقيدة، وعن ثمرات العبادات، وأدبيات المعاملات؛ هي مجتمعات عليلة، وتحتاج لهدم وإعادة بناء في التصور والممارسة، إذ كلما اعتلى جانب الأخلاق ارتقت عفوياً العبادات والمعاملات كوننا نحرص على الثمرة حرصنا على الشجرة.

لا نسبية في الأخلاق، وأخلاقنا تشكّلها عوامل عدة؛ منها المُعتقدات والخطابات الدينيّة والتراكُمات التراثية وما يَحمله التأريخ من أعرافٍ وعاداتٍ وتقاليد، والتي تترادف عبر عقودٍ من الزمن ليغدو لها ثقلها وتأثيرها في بلوَرة السلوك الأخلاقي للإنسان، إضافةً إلى دور البيئة الاجتماعية والتربية الأُسَرِيّة بما لهما من أثر في بناء السلوك الأخلاقي.

السلوك الأخلاقي الحضاري: تفاعُل إيجابي بين عناصر الفطرة الإنسانية والبيئية الطبيعية والاجتماعية، ويمكن ونحن على أبواب شهر الخير، نسأل أنفسنا؛ هل هناك تطابق بين ما يريده الإسلام لنا، وما نريده به؟

لا ريب أنّ ما أراده الإسلام لنا، خير وأفضل وأنبل مما أردناه به، هو يريدنا خير أمة أُخرجت للناس، وبعضنا يريده ملابس وأزياء بأكثر من مقاس، وتفريغ التديّن من القِيم، إخلاء لصدر الإنسان من نقاء الأب (الإسلام) وتجرّد وبراءة من سيرته العطرة، ومكارم ومحاسن صفاته، وسلب لقدرات الاحتفاظ بمبادئ الحُب والخير والعدل والجمال، ما يحيل الصدور لخواء تسكنه أشباح الشّر.

لا يهدد الانفتاح الذي يعيشه العالم اليوم؛ العقيدة كما يصوّر البعض، ولا يُخل بشهادة التوحيد، بذات القدر الذي يهدد به تناقض بعض المسلمين، بتحوّلهم لممثلين؛ في المساجد ملائكة، وخارجها شياطين. فهل هذا جوهر الحضارة الإسلامية، وأساس العزة والتمكين التي يحلم بها الملايين؟!

نشاهد ونسمع بعض الآباء يكرر على أولاده عبارة (صلّوا) أو يستفهم منهم عند كل وقت صلاة (صلّيتم؟) إلا أنه لا ينبههم إلى ضرورة (الالتزام بالصدق، وأداء الأمانة، وعفّة اليد، واحترام حق الجار، وصلة الرحم، وإزالة الأذى عن الطريق، وتوقير كبير السن) فالجانب الأخلاقي والسلوكي خارج حسابات بعض المسلمين.

ماذا لو فكّرنا في جمع وكسب حسنات في هذا الرمضان بالأخلاق والتعامل إضافة لحسنات الصوم والصلاة وقراءة القرآن؟ حتماً؛ سنكون أكثر سعادةً وراحةً نفسيةً، حتى لا تكون أخلاقنا مظلومة. وما ظالم بخير.

تقبل الله منا ومنكم ورمضان مبارك على الوطن والإنسانية جمعاء.