-A +A
محمد مفتي
تستخدم العديد من دوائر الإعلام وصناع القرار السياسي في بعض الدول الغربية مصطلح «حرب اليمن» عند التطرق للصراع الحوثي، وفي واقع الأمر لا يعد هذا الاصطلاح دقيقاً، فالحرب النظامية كما هو متعارف عليها بين المختصين تدور بين جيشين نظاميين أو أكثر، ويتم خوضها لدواعٍ مختلفة، قد تكون سياسية أو اقتصادية أو لكليهما معاً، غير أن ما يجري في اليمن يتعذر تماماً وصفه «بالحرب» وذلك لأسباب عديدة، لعل أهمها أن الحوثيين لا يمثلون الدولة اليمنية بأي صورة من الصور، ولا يعبرون عن الشعب اليمني بأي شكل من الأشكال.

الحوثيون هم أقلية مكونة من مجموعة من العصابات التي لا يصعب تصنيفها بعيداً عن خانة المرتزقة، تدعمهم أطراف خارجية لها مصالح وأجندات تتخذ من اليمن جسراً لتحقيقه، فهم ليسوا حكومة شرعية معترفاً بها دولياً وليس لديهم من الأساس القدرة على حكم دولة بالمعنى السياسي المعروف والمتداول، ونظراً لكونهم رجال عصابات في المقام الأول والأخير فهم يحاربون بنوع من الوحشية والبدائية دون أدنى اكتراث بالحفاظ على البنية التحتية للبلد الذي ينتمون له، ودونما أدنى اهتمام بالضحايا الذين يسقطون جراء رعونتهم.


يسعى الحوثيون للتمدد داخل الأراضي اليمنية كما يتمدد السرطان داخل الجسد المريض، وفي الحقيقة ليس للحوثيين برنامج سياسي واضح لأن كل مهامهم تنحصر في السعي لبسط نفوذ إيران داخل الأراضي اليمنية، ومزجه بشرايين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها، ولعله ليس من الغريب ألا يكون للحوثيين قاعدة شعبية وظهير وطني من المواطنين اليمنيين، فهم ليسوا إلا عصابات مسلحة خارجة عن القانون، تحارب لأجل تحقيق مصالح دولة أجنبية، فالحوثي ليس أكثر من واجهة وقناع يتخفى الإيرانيون خلفه.

الحوثيون ليسوا سوى جسر يعبر من فوقه نظام طهران للوصول إلى العمق السعودي، وعلى الرغم من وضوح هذا الأمر أمام الجميع إلا أن الحوثي استمر مصراً على نفي ذلك والادعاء بأنه مجرد فصيل يمني وطني يهدف لتحرير أراضيه وحكم نفسه بنفسه، غير أنه منذ أيام قليلة اعترف الحوثيون بأن صواريخهم هي صناعة إيرانية بحتة وأن إيران هى من يزودهم بها، وهو ما يعد اعترافا صريحا بالتبعية المطلقة لتلك الميليشيا لنظام طهران، وهو ما يؤكد عبثية الحرب التي يخوضونها ضد المملكة، ومدى دناءة المبادئ التي يعتنقونها ويدينون بها.

وحتى قبل الاعتراف الأخير للحوثيين باستخدام التقنية العسكرية الإيرانية، كان واضحاً للجميع أنه من الصعوبة بمكان أن تملك شلة من المرتزقة تقنيات تلك الحرب المتطورة، ومن غير المحتمل أن تتمكن بمفردها من تحديد الأهداف الاستراتيجية بهذه الدقة، وأن تتمكن من إطلاق المسيّرات التي تتطلب تكنولوجيا يتعذر عليهم امتلاكها، ولهذا فقد بدت طبيعة الحرب واضحة ومحددة؛ إنها حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، ومن المؤكد أن المملكة العربية السعودية لم يكن أمامها سوى حماية حدودها وإبعاد أي تهديد عنها، ومن الطبيعي والمنطقي تماماً أن تسعى المملكة لتقليم أظافر الحوثيين للدفاع عن سيادتها وحماية وحدة أراضيها ومواطنيها ومواردها.

تخوض قوات التحالف في اليمن معارك ضروساً لا هوادة فيها مع عدو متربص ينتظر الانقضاض على حدودها وقتما تسنح له الفرصة لفعل ذلك، ولو تقاعست قوات التحالف يوماً واحداً عن ضربهم بيد من حديد لوجدنا أراضي اليمن وقد تكدست بعشرات الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيّرة، ولأصبحت المنطقة بكاملها خاضعة للنفوذ الإيراني، وتعلم إيران جيداً أنه لا قبل لها بمواجهة السعودية، كما تعلم أن انطلاق أي طائرات مسيّرة من داخل أراضيها باتجاه المملكة يعني إعلان الحرب بشكل مباشر بينها وبين السعودية، وهي أجبن من أن تخوض حرباً مباشرة، لذلك تلجأ إلى الاستعانة بالدمى الحوثية.

لا شك لدينا في أن العالم أجمع يعرف معرفة تامة وعورة المناطق اليمنية، ويعلم تمام العلم أن قوات التحالف تواجه عصابات تجيد الكر والفر، عصابات تجيد من فنون القتال ما لا يجيده سوى المجرمين والمرتزقة، فهم أشبه بقطاع طرق أو مطاريد لا يتحركون إلا في ظلمة الليل الدامسة، يسددون أهدافهم بخسة ثم يفرون بجبن متناهٍ في انتظار الهدف القادم، وعلى الرغم من أن كل هذه الحقائق الدامغة معروفة للجميع، تدعي بعض الدول الغربية أن اليمن محاصر، متجاهلين حق المملكة في فرض حصار عسكري لمنع وصول الأسلحة للحوثيين وخنق مصادر تهديدهم.

لا يعني فك الحصار الذي يطالب به الغرب سوى إطالة أمد الحرب إلى ما لا نهاية، وعلى الرغم من أن الحوثي يهدد إمدادات الطاقة الدولية بضرباته الجنونية غير المحسوبة، إلا أن الغرب يغض الطرف عن تلك الانتهاكات موجهاً اتهاماته للمملكة فحسب، التي لطالما أكدت وتؤكد للجميع أن دفاعها عن حدودها وسيادتها لا يعني أنها تخوض حرباً ضد الشعب اليمني، بل يعني أنها تجتث جذور الفتنة وتقلم أظافر الشر القابع على حدودها الجنوبية متربصاً ومنتظراً لحظة الانقضاض الدنيئة.