-A +A
حسين شبكشي
اتخذت المملكة العربية السعودية موقفا دبلوماسيا لافتا ومهما للغاية في الآونة الأخيرة، وذلك بعد اعتداء عصابات الحوثيين على منشآت نفطية في مختلف مناطق المملكة، اختارت السعودية أن تتخذ موقفا توجه فيه رسالة إلى العالم بأسره بأن السعودية لن تكون مسؤولة عن أي نقص في الإمدادات النفطية بالأسواق حول العالم، وهو أول موقف من نوعه يحمّل العالم مسؤولية وضع حد للاعتداءات الخطيرة التي تقوم بها عصابات الحوثي على مراكز الإمدادات النفطية في السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم وخطورة ذلك على الاقتصاد الدولي واستقراره بشكل واضح لا يقبل الجدال.

ومع هذه الرسالة المهمة والمؤثرة والتي تم تداولها في مختلف وسائل الإعلام والنشرات الإخبارية ولقت نصيبها المستحق من تحليل وتفصيل وتأويل يضع العالم اليوم احتمالية أن تكون السعودية في نقطة مفصلية كدورها الرائد والأهم في استقرار سوق النفط العالمي، وبدأ العالم يتساءل: ماذا لو توقف تصدير النفط السعودي للعالم؟، وهو سؤال في منتهى الخطورة وفي منتهى الجدية وفي منتهى الأهمية، لأن هذا السيناريو اليوم يطرح نفسه مع استمرار العدوان الحوثي على المنشآت النفطية الحساسة، والتي أصبحت لا تهدد فقط السعودية ولكن تهدد استقرار وأمن العالم الاقتصادي بأسره.


فالحديث عن السعودية لا يشبه الحديث عن دولة أخرى في مجال النفط، فهي اللاعب الإستراتيجي الأهم وصاحبة القدرة الإنتاجية الأكبر في العالم، وثاني دولة من ناحية الاحتياط النفطي، وبالتالي هي الأكثر تأثيرا على سوق الطاقة واستقراره السعري وتأمين القدرات اللوجستية والإنتاجية لأسواق العالم المختلفة.

واليوم لم يعد الحديث عن ضرب المنشآت النفطية في السعودية حديثا اقتصاديا فحسب، ولكنه تحول أيضا إلى تحدٍ بيئي خطير، فالحرائق الهائلة التي حدثت في المنشآت النفطية لها آثار على تلوث الهواء وتلوث مياه البحر ونشر السموم التي تسببها هذه الحرائق نتاج عمليات القصف الإرهابية عن طريق جماعات الحوثي.

وهذه نقطة لم تلقَ الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام العربية ولا العالمية مع شديد الأسف، إذ إن العمليات الإرهابية الحوثية بحق السعودية الأخيرة تحولت أيضا إلى مسألة فيها انتهاكات للبيئة ومخاطرها على جودة الحياة في السعودية والدول التي تحيط بها، وهذه نقاط في غاية الأهمية وخصوصا مع ازدياد الوعي البيئي والالتزام بمعاييره ومواصفاته ومقاييسه.

ثقل السعودية في عالم النفط والطاقة، هو الثقل الأهم في هذا العالم المعقد، وإذا كان الحديث عن خطورة قطع الإمدادات الروسية للغاز في أوروبا وصعوبة تعويض ذلك من مصادر أخرى، فإن الحديث يصبح مضاعفا أضعافا كثيرة حين يتم التحدث عن إمكانية توقف تصدير النفط من السعودية إلى العالم، لأنه باختصار لن يكون بالإمكان تعويض الاعتمادية والجدارة والمصداقية السعودية في توريد النفط إلى الأسواق العالمية، والذي اعتاد على كفاءة السعوديين في ذلك لعقود طويلة من الزمن.

اليوم قضية الاعتداءات الحوثية الإرهابية على الأراضي السعودية وعلى المنشآت النفطية المختلفة لم تعد شأنا سعوديا محليا خالصا فقط، ولكنه تحدٍ مصيري يستحق أن يتكاتف حوله المتضررون حتما من حدوث أي ارتباك أو خلل أو انقطاع في اعتمادية النفط السعودي للأسواق العالمية، لأن ما تفعله الجماعات الحوثية الإرهابية والمدعومة من إيران هي مسألة لن يتم علاجها بالقفازات الحريرية ولكن بيد من حديد، لأن المساس بالأمن الاقتصادي المتعلق بتوريدات النفط المعتمدة من السعودية لأسواق العالم هي مسألة لا تقل أهمية عن تأمين قناة السويس وتأمين قناة بنما وتأمين مصادر القمح ومصادر الذهب لاستقرار العالم بأسره، وهو ما لم يحدث حتى الآن مع شديد الأسف، إذ يتم التعامل مع هذه القضية بأسلوب يخلو من الجدية والصرامة والحسم.

ماذا لو توقف تصدير النفط السعودي إلى العالم؟، هو السؤال الذي يجب طرحه ومعرفة عواقبه على العالم بأسره، وبالتالي تفادي حدوث ذلك بوقفة جادة من كافه الدول التي ستتضرر من هذا الأمر ولن تستطيع تحمل تكلفته الاقتصادية أبدا، بوضع حد للإرهاب الحوثي على مصادر الطاقة الأولى في العالم.