-A +A
حسين شبكشي
يتابع المهتمون بالشأن السعودي عموماً والسعوديون منهم تحديداً التطورات المتلاحقة في الشأن السعودي الداخلي عامة والذي يأتي تحت رؤية حراك 2030 الواعدة الطموحة، والتي تستمر في مفاجآتها السارة وتفاعلات السعوديين معها. وهذه السنة التي شهدت احتفال السعودية بشكل رسمي بيوم التأسيس الذي تركز فيه المملكة على أهمية إبراز تاريخها كدولة بالمفهوم السياسي المدني والمؤسسي، وفصل هذا التاريخ عن أي عوامل أخرى كانت تدخل أو تتداخل معه في هذا التوصيف.

ووضح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مكانة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودوره كداعية في زمن محدد ووقت محدد، وأزال أي مكانة شبه قدسية قد تلتبس لدى البعض عنه، وبهذا الحديث وهذا التصور يوسع ولي العهد مفهوم دور السعودية كدولة إسلامية بالمعنى العريض تحتضن كافة الطوائف والأفكار والمذاهب التي تقع في العالم الإسلامي باعتبارها أرض الحرمين الشريفين ومهبط الوحي بدلاً من تبني أي نظرة ضيقة محدودة كما كان قديماً.


بهذه المعاني المهمة جداً يقوم ولي العهد السعودي برؤية 2030 بإعادة هندسة السعودية بمفهومها العصري المستحدث الجديد الذي يليق بمكانة دولة محورية مركزية أساسية في اقتصاد العالم وإقليم الشرق الأوسط. وهذا التوجه فيه قدر كبير من الشجاعة والإقدام في مواجهة المستقبل لبناء قواعد يكون للقانون فيها المكانة المميزة وللمؤسسات الاحترام المطلوب.

رؤية 2030 تحترم التنوع الثري الموجود في السعودية من طوائف ومذاهب داخل الدين الإسلامي، وكذلك تحترم التنوع الديني الموجود في العالم بأسره من تنوع في المعتقدات والأديان لتكريس مفهوم التعايش والتسامح بالدرجة الأولى بدلا من إرغام الآخرين على اتباع ما يعتقد بالقوة والإكراه، حيث إن ذلك يولد حتما لاحقا جوا ومناخا من التشدد والكراهية التي يدفع الجميع ثمنها عاجلا أو آجلا.

الدولة السعودية الثالثة تعيد هندسة تاريخها وتعيد هندسة الدولة السعودية نفسها برؤية حضارية عصرية جريئة وطموحة وشجاعة تواجه كل التحديات وتتعامل مع مشكلات وتضع حلولا للمعضلات بشكل يدعو للاحترام والتقدير.

إعادة قراءة التاريخ بشكل نقدي وموضوعي يضع الأمور في نصابها ولتعريف الكثير من المسلمات بشكل جديد يتناسب مع ما يطرح من تطور سياسي واقتصادي واجتماعي تشهده البلاد، هي خطوة في الاتجاه الصحيح لصناعة دولة عصرية رشيقة تصنع الأحلام وتسعى لبناء المستقبل الواعد، وهذا في حد ذاته تطور يستحق التشجيع والدعم.

رؤية 2030 تهدف بشكل رئيسي إلى تطوير وتحسين جودة الحياة ومعدلاتها في السعودية للمواطنين والمقيمين عليها ومن أجل ذلك تكرس قيمة القانون وتعلي شأن المؤسسات وترفع قدر العلم في شتى مجالاته، وهذه المنظومة المتكاملة تصنع دولاً حالمة ساعية لمستقبل أفضل لكل من عليها ولا تتيح المجال للتشدد والتطرف أن يتشعب عبر آراء فردية تتطور ثم تصبح آراء جمعية ممنهجة لا يُرجى منها خير سوى إحداث الشروخات تلو الأخرى داخل النسيج الوطني والمجتمع السوي، وهذه الأمور عانت منها السعودية قديماً كما غيرها من المجتمعات حول العالم عندما تبنت التطرف أو سمحت له بالتوغل بحسن ظن منها.

إعادة هندسة السعودية مشروع طموح جداً وهو أحد أهم إفرازات رؤية 2030 التي تعيد اتجاه البوصلة بدلاً من التركيز على الماضي وتمجيد محطات فيه، وهي ترسم خطاً مستقيماً وخارطة طريق واضحة الملامح من أجل مستقبل يشارك الجميع في بنائه وبه مسؤوليات مشتركة، حقوق وواجبات تجعل من المجتمع والمواطن معنيين في قصة النجاح المنشودة.