-A +A
عبدالله بن بخيت
مع نهاية هذا المقال تستطيع أن تجلس للفتوى وتحرّم كل شيء تريد تحريمه بالدليل من القرآن والسنة. سوف تتعلم تقنية الفتوى التي أسميتها (الكوع). باستخدام هذا الكوع تستطيع أن تحرّم كل شيء ابتداءً من شرب الماء إلى جلوس البنت مع أبيها. لا شك أن القرآن الكريم موجود في منزلك والأحاديث النبوية موجودة على النت. لم يبقَ إلا أن تقرر ما تريد تحريمه. هل تريد تحريم الكرة، تحريم ركوب السيارة، تحريم النت.. سنأخذ مثالين ونبني عليهما فتاونا القادمة.

يقول صاحبنا في تحريم عمل المرأة خارج بيتها «يا أختاه ارجعي إلى بيتك وفكري قبل الندم والحسرة والحذر من مخالطة الرجال وبادري بطاعة الله ودعي عنك الوظيفة واجعلي وظيفتك في بيتك وأولادك ودعي أقوالهم المزعومة (المرأة نصف الرجل، والمرأة تبني اقتصاد بلادها) إلى آخر الترّهات التي يطلقها الليبراليون. عليك طاعة ربك والبقاء في البيت ولا تنزلقي في المحرمات. فيا أختاه يجب عليك الخشوع والتقوى، قال تعالى: (فلا تخشوا الناس واخشون)».


بالتدقيق ستلاحظ انتفاء العلاقة بين الآية الكريمة وبين موضوع الفتوى. فالرجل لا يملك دليلاً يحرّم به عمل المرأة عندئذ لف بالنص وأقحم التقوى والخشوع، وأورد الآية التي تحث عليها. الإنسان البسيط والإنسان المنحاز ضد عمل المرأة لن ينتبه للكوع. سوف يقع في الفخ على أساس أن القرآن الكريم يحرّم عمل المرأة لكي تتضح صورة تقنية الكوع أكثر لنأخذ مثالاً آخر:

يقول صاحب الفتوى: «السفر إلى بلاد الكفار فيه خطر عظيم على دين المسلم؛ لما يتعرض له في هذه البلاد من رؤية المنكرات التي تعصف بالقلب، وتنقص الإيمان، وتذهب بالغيرة، ولهذا كان أهل العلم على التشديد فيها والمنع منها.

فالسفر إلى بلاد الكفر: لا يجوز؛ لأن فيه مخاطر على العقيدة والأخلاق، ومخالطة للكفار، وإقامة بين أظهرهم. ولا يخفى على المسلم أن هذه البلاد تجيز شرب الخمر والميسر وغيرها من المحرّمات قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)».

ستلاحظ أن مؤلف هذه الفتوى استخدم تقنية الكوع، فالآية الكريمة التي دلل بها لا علاقة لها بتحريم السفر وإنما تتحدث عن الخمر والميسر والأنصاب والازلام والأضرار الناجمة عنها. سواء شرب المرء الخمر في بلاد الكفار أو تعاطاها في بلاد المسلمين.

تستطيع أن تأخذ هاتين الفتويين كنموذج لتحريم أي شيء تريد تحريمه. وظيفة الكوع أن يلوي لك النص من موضوع إلى موضوع آخر محرّم في القرآن الكريم أو في السنة النبوية. توّهم القارئ العامي أو المنحاز أن التحريم بالدليل وليس من عندك. بالتأكيد في الأربعين سنة الماضية عرفنا تقنيات كثيرة تساعد صاحبها على تحريم ما يريد تحريمه مثل سد باب الذرائع، وقاعدة درء المخاطر مقدم على جلب المصالح.. إلخ.