-A +A
أنمار مطاوع
عام 2020، خلال الحجر العالمي، حدث تغير واضح في مفهوم خدمة العملاء؛ كما تشير الدراسات، فالعملاء لم تعد تجربتهم في الرضا عن المنتج متعلقة بالسعر والجودة.. بل تجاوزتها إلى مرحلة التعاطف الإنساني وقراءة المشاعر الإنسانية.. حتى في خدمات السلع اليومية. وهذا ما بدأ يميز علامة تجارية عن غيرها.

الشركات التي نجحت في تلك المرحلة هي الشركات التي استطاعت أن توازن بين الأتمتة؛ أي الآلة، والإنسان في خدمة العملاء. ففي العصر الحديث، لا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر. وفي الوقت نفسه لا يمكن لأحدهما أن يكون بديلاً عن الآخر.. بمعنى أن العلاقة بينهما ليست تنافسية.


الآلة توفر السرعة والوفرة؛ فهي موجودة (7/24) للرد على الاستفسارات -إلى حد ما- والإجابة عن الأسئلة المتداولة، أيضاً إلى حد ما، فالذكاء الاصطناعي له حد معين في التفاعل لا يمكنه تجاوزه؛ حتى الآن على الأقل. على سبيل المثال؛ تنمية العملاء لن تتم من خلال آلة.. وتنمية الولاء لا تتم من خلال آلة.. وتكرار تجربة التعامل مع المنشأة لن يتم إذا كانت الآلة هي الوسيط. الآلة هي مكملات خدمية أشبه بالمكملات الغذائية.. وليست بديلاً للإنسان.

في بداية العقد الماضي، لجأت المنشآت -بشكل عام- لأتمتة خدمة العملاء باحترافية عالية لتقليل تكاليف خدمة العملاء المعتمدة على الإنسان -بعض المنشآت فعلياً أغلقت تلك الإدارات، وكثير منها قلصت عدد الموظفين إلى الحد الأدنى-. المنشآت التي استغنت عن خدمة العملاء البشرية أعادت حساباتها بداية العقد الجديد وأعادت معها الخدمة.. بحدها الأدنى، والمنشآت التي ما زالت عند موقفها بأن (.. الآلة تقوم مقام البشر في خدمة العملاء) ستعود في القريب العاجل. فالدراسات تشير إلى أن (.. مستوى خدمة العملاء قد انخفض خلال السنوات الأخيرة بسبب نقص دعم الإدارات التنفيذية في الشركات لإدارات خدمة العملاء.. وعدم استيعابهم لمفهوم خدمة العملاء). مما أثر على الأعمال، ونسب الربح، وانخفاض المؤشرات عما يفترض أن تكون عليه.

في كل الأحوال، ذلك التقليص في عدد موظفي خدمة العملاء دخل حساب الشركة على أنه (توفير) وتقليل (ذكي) في تكاليف الخدمة.. فقط لا غير. ولم يُستثمر في تطوير إدارات خدمة العملاء.

كل الدراسات، حتى الآن، تؤكد أن: الآلة لا تستطيع أن تكون منافساً في خدمة العملاء.. فهي لا تتفهم الحالات الطارئة.. ولا تتفاعل بإنسانية في الحالات الحرجة.. ولا تستطيع أن تصنع فرقاً لدى عميل غاضب أو محبط أو تائه.. ومعظم العملاء الذين يصلون إلى خدمة العملاء.. إما غاضبون، أو محبطون، أو تائهون.

كل خدمة عملاء محترفة.. خلفها إنسان وليس آلة.. وكل قصة خدمة عملاء شهيرة.. خلفها إنسان وليس آلة.. وكل نجاح لخدمة عملاء.. خلفه إنسان وليس آلة.

من أهم استراتيجيات أي منشأة في المرحلة الحالية: هو استثمار ما يتم توفيره من ميزانيات -بسبب الأتمتة- في صناعة خدمة عملاء ذات جودة عالية. فالاستثمار الأمثل لهذا التوفير هو رفع رواتب موظفي خدمة العملاء، وتوظيف النخبة، وتقديم أعلى مستويات التدريب والتأهيل لهم، وترسيخ الماركة في أذهانهم من خلال زيارات دورية للمصنع الرئيس أو الشركة الأم.

هذه ليست صرفيات من الممكن الاستغناء عنها.. بل هي أساسيات لصناعة موظف خدمة عملاء.. يكون هو بحد ذاته ميزة تنافسية للمنشأة لتقديم خدمات وحلول متكاملة لعميل مُرشح بشكل كبير أن يكون عميلاً دائماً.. بولاء كامل.