-A +A
علي صالح الضريبي
«في الأيام القادمة، عندما تُقتل الناس مجدداً، ولا تجد في ذلك أمراً مستنكراً.. وعندما ترى الجار يحارب جاره، والأخ يحارب أخاه.. عندما ترى روسيا تبدأ بالغزو، وأمريكا توقف مساعداتها.. ستعلم حينها جيداً معنى أهمية أن تظل ويظل الناس على قيد الحياة!»...

هذه كلمات للمغني الجامايكي العالمي المشهور «الأسطورة» بوب مارلي من إحدى أغانيه النادرة جداً ويكاد لم يسمعها أحد لندرة توفرها وتداولها، والمفارقة بأن الأغنية حملت اسم «غزو روسي Russian Invasion» حرفياً!، وقد كانت إحدى آخر ما غنّى بوب قبيل وفاته قبل أكثر من أربعين عاماً! ومعلومة هنا قد يجهلها الكثير من «سمِّيعة» بوب، بأنه قبل أن يشتهر عالمياً كمغنٍ، كان يشتهر في صغره في مدينته «كينغزتاون» بجامايكا كقارئ كف، وتنبأ حتى في صغره بأنه سيموت وهو في سن (36 عاماً)، وقد كان ذلك.


قفزت إلى ذهني كلمات أغنية بوب هذه التي أحتفظ بنسخة «سي دي» منها منذ سنين، مع إعلان بدء الغزو الروسي لجاره الأوكراني، والحروب في أدبيات الشؤون الدولية تتأرجح إرهاصاتها وتداعياتها بين دولة تصنع حرباً، وحرب تصنع دولة.. والأزمة بين روسيا وأوكرانيا اليوم ليست استثناء.. والمؤكد بأن روسيا وأمريكا تتخذان وستتخذان من مقولة معروفة في عالم السياسة التي تقول: «إياك أن تدع أزمة جيدة تذهب هباءً»، محركاً في تجاذباتهما في أوكرانيا ولتصفية حساباتهما القديمة والجديدة.

وها هي روسيا اليوم قد صنعت حربا، وصنعت دولتين (باعترافها باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك التابعتين لأوكرانيا) - وربما ثالثة؟!- بحربها اليوم.. وربما تصنع هذه الحرب – إن استفحلت – روسيا جديدة إما مهزومة أو منتصرة عبر أن تنصاع لها أوكرانيا وأوروبا والناتو وحتى أمريكا، أو في المقابل أوكرانيا جديدة سواء بالكيف الروسي أو الأمريكي الأوروبي. والمراقب المختص الآن يترقب تدخلاً أمريكياً لموازنة قوى المواجهة أو ربما ديبلوماسية الصعقة والساعات الأخيرة، وربما تطرأ مراجعة روسية لما قد تتكبده اقتصادياً من حرب وعقوبات شديدة فرضت وستفرض عليها دولياً لضعضعة اقتصادها وثنيها عن خلق حرب عالمية ثالثة.

في التحليل السياسي الصرف لدافع الغزو الروسي لأوكرانيا، فروسيا تتصرف اليوم بواقعية سياسية من بسط مركزية دولتها المتمثلة في القوة، عبر تأمين حدود دولتها من خطر تمدد وتوسع «الناتو» - وأمريكا بطبيعة الحال - على أطرافها سواء بضم دول من أوروبا الشرقية لعضوية الناتو أو من تواجد الناتو العسكري فيها عبر قوات وقواعد، وهو ما تطالب بوقفه روسيا منذ أكثر من 30 عاماً من ضم الناتو لدول تقع على أطراف روسيا، وأوكرانيا تسعى منذ سنين جاهدة بأن تنضم لحلف الناتو – الذي وعدها بذلك – لتتحصن من الخطر الروسي المحدق بها، بالمادة 5 من قانون الحلف المتعلق بالدفاع المشترك وصد الحلف لأي عدوان ضد دولة عضو فيه.

والجديد في «الغزو الروسي» اليوم بأنه تدارك أخطاءه في أفغانستان، واستفاد من درس أمريكا التي حارب بالوكالة عنها يومها في أفغانستان تنظيم «القاعدة» عندما كانت أمريكا تصفهم بـ«المقاتلين من أجل الحرية»!، وأوجدت لها روسيا «قاعدة» في أوكرانيا عبر الانفصاليين في إقليمي لوغانسك ودونيتسك الأوكرانية.

حتى مع المسوغ الجيوسياسي والاستراتيجي الروسي المذكور آنفاً، تبقى خطوة غزو أوكرانيا بربرية وتهدد السلم الدولي وتنتهك القانون الدولي في ما يتعلق بسيادة الدول واحترام الجوار، هذا وروسيا عضو دائم في مجلس الأمن، ولهذا السبب بات تغيير تركيبة هذا المجلس العتيقة ملحّاً اليوم قبل أي وقت مضى!

ختاماً يقول صاحب كتاب «الأمير» الشهير «ميكافيللي»: «تستطيع أن تبدأ الحرب متى ما شئت، ولكنك لن تستطيع أن تنهيها متى ما شئت».. وهذه أفضل نصيحة قد تقدّم اليوم إلى «قيصر الحرب» بوتين.