لئن كانت كراسة الأدب العربي؛ شعرًا ونثرًا، قد احتفت بأطياف الغزل، عفيفًا كان، أو شبه عفيف، أو ماجنًا آثمًا، وتفنن المبدعون في وصف حبيباتهم حسيًّا ومعنويًّا، وسوّدوا الصفحات، وأثقلوا أضابير المكتبات بالمؤلفات في هذا الفن الرفيع؛ إلا أنّك تجدهم قد ضنّوا على حليلاتهم وزوجاتهم بهذا الغزل المنثال ولهًا وتهيامًا، وجفّت أقلامهم إلا نادرًا عن ذكر محاسنهن، وكأنّما كانت قصائدهم ومنثوراتهم قبل الزواج مجرد «حبائل» و«فخاخ» نصبوها للحسان على قاعدة: «وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثناءُ»؛ فإذا ما ظفروا بالمطلب، و«امتلكوا» الحبيبة بسلطان الزواج؛ فترت همّة الغزل، وانتهى الأمر إلى «الاعتياد» المضجر، فقل عندهم من يصرّح بحبه لزوجته كقول القائل:
إن تسألوا منّي الفؤاد يجبكُمُ
بالنّبض أنّ العشقَ قد أضْحى لها
إنّي عشقتُ من النِّسا ياقوتةً
هي زوجتي.. زاد الصّلاحُ جمالها
وكأنّ روحي قد غدتْ هي رُوحها
حالي أنا في الحبِّ طابقَ حالها
ولئن كان هذا هو حال الحياة الزوجية في عموم مجتمعاتنا العربية، تقتات من الاعتياد المضجر، وتعيش على حبٍّ أو شبه حبٍّ أخرس، وعواطف نتراسلها تخاطرًا غير مفصح، وإبراقًا غير ناطق، فإنّ الحال في مجتمعنا الخليجي أعمق أزمة، وأشد وقعًا.
يكفيك من ذلك سطوة الكُنى على أسماء الزوجات، فهي في غالب الأحوال لا تنادى باسمها وإنما بكنية لها، هذا الحرص على التكتم حتى على أسمائهن، فلا إشارة أو إيماءة نحوهن إلا بعبارات من شاكلة: «الأهل»، أو «أم فلان» أو الجماعة، والعيب كل العيب، والمعرة كل المعرّة على من يأتي على ذكر اسم زوجته بين العالمين..
ولمّا كان الحال على هذا النحو، الذي من العسير علينا أن ننكره فإن بروز أيّ كاتب أو مؤلّف يتناول سيرة حياته الزوجية ويسرد تفاصيل لقائه بزوجته؛ بل ويصفها بـ«حبيبته» في صدر عنوان كتابه، لهو من قبيل «الجرأة» التي تخالف السائد، والصنيع الذي يكسر جدار الصمت، ويهد ويهدم سور التكتم الواهي.
فإن أردت الاستيثاق مما أقول فدونك كتاب «حبٌّ في خمسين عاما»، لمؤلفه الدكتور عبدالله صادق دحلان، رئيس مجلس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا ومؤسسها. ففي أضاميم هذا الكتاب، المنبسط في بياض صفحات تجاوزت المائة والأربعين صفحة، تتجلى هذه الجرأة في أنقى صورها ومعانيها، فلو أنك وقفت لحظة وتأملت عتبة العنوان «حبٌّ في خمسين عاما»، لأدركت مرامي الكتاب قبل الخوض في عبابه.
فهذا نصف قرن من الزمن، لقصة وسمها صاحبها بـ«الحب» وزادك من كيل الجرأة مقدار ما يثير دهشتك وهو يزيّن غلاف الكتاب بصورة له ولرفيقة حياته، مصرّحًا باسمها دون مواربة: سحر محمّد موصلي؛ وهو بهذا ينسف قواعد التكتم المجتمعي حيال الزوجة من أساسها، فلا كنية هنا، بل تصريح لا لبس فيه، ولا براقع حاجبات، ولا موانع معيبات وإنما هي صورة مشرقة لوجهين باسمين في دنيا التكتم والخصوصية..
نعم؛ ستكون «الجرأة» هي المفتاح الذي بيدك وخاطرك حين تتجوّل في أفياء ونوافذ الكتاب، سيعرض عليك «دحلان» تفاصيل لقائه بـ«سحر» ومدى تعلقه وحبّه لها سيمتعك بالذكريات اليانعة النضرة، ستقف على محطّات وتفاصيل عديدة، سأمسك عن ذكرها تفصيلاً، وإنما أشير إليها هنا إيماءة وتلميحًا، ليقيني أنها ممتعة في مظانها هناك، قمينة بالاطلاع والنظر إليها في سياقها، جديرة بتأملها وهي تخرج من ضيق الحرج المضروب على حياتنا الزوجية، إلى براح الإفصاح عن «حبٌّ في خمسين عاما»، مقدمًا بذلك دروسًا، حرّي بنا أنّ نتأملها فالمودة والرحمة والمحبة لا تهبط علينا من السماء أو تخرج لنا من الأرض لا بد أن نأخذ بالأسباب الموصِّلة إليها من مشاركة وجدانية وعاطفية ومادية ومعنوية وإبداء الحنان وإظهار العاطفة والملاطفة والمداعبة والحب والاحترام والتقدير فهذه أسباب توصِّل إلى إعمار البيوت واستمرارها.
هناك سببان يتمثلان في كون هذا الكتاب يمثل حالة تحريض لكافة الأزواج، ومن يأنس في نفسه «الجرأة» ليقدم تجربته الزوجية الناجحة، بما يشكّل إثراءً لهذا الضرب من الأدب، تحت أيِّ مسمى كان، أو لافتة، وليكن مثلاً تحت مسمى «أدب الأزواج والزوجات»، فإنّ هذا الضرب من الكتاب ينتظر أن يثري الدراسات الاجتماعية، ويعين الباحثين على إدراك السمات الإيجابية والسلبية في حياتنا الزوجية، بما يعين على معالجة الأخطاء، وتعضيد مواطن الاستحسان والإيجاب، فضلاً عما تمثله التجارب الزوجية المسطورة من فرصة للأبناء والأحفاد والأجيال اللاحقة بعامة لتستفيد منها متى ما كتبت بمداد الصدق.
أما السبب الآخر الذي يحملني على التحريض للاطلاع على تجربة الدكتور «دحلان» هو حرصه على أن تتعدّى تجربته في هذا الكتاب الحدود الشخصية المحضة، إلى الاستشراف العام، منظورًا ذلك في حرصه على تقديم خلاصات لتجربته الزوجية، في سياق قوله: «إن ما يدفعني إلى كتابة هذا الكتيب (أنا والسحرورة) ليس لسرد قصّة حياتي الزوجيّة، وإنما وجدنا في قصة حب لمدة نصف قرن مثالاً يمكن الاقتداء به لأبنائنا وبناتنا ولكل زوجين».
إن هذه الإشارة بظني هي مفتاح الكنز، والمصباح بيد قارئ هذا الكتاب، ولست متوليًا عرض الخلاصات التي انتهى إليها في كتابه، حتى لا أفسد بهجة الاطلاع عليها في أضاميم «حبٌّ في خمسين عاما».
ليس عندي غير الشكر للمؤلف الدكتور دحلان على هذه المتعة الجريئة، والتجربة المحفزة، متمنيًا له ولـ«سحر» عمرًا مديدًا في هذا الحب الخالد.
إن تسألوا منّي الفؤاد يجبكُمُ
بالنّبض أنّ العشقَ قد أضْحى لها
إنّي عشقتُ من النِّسا ياقوتةً
هي زوجتي.. زاد الصّلاحُ جمالها
وكأنّ روحي قد غدتْ هي رُوحها
حالي أنا في الحبِّ طابقَ حالها
ولئن كان هذا هو حال الحياة الزوجية في عموم مجتمعاتنا العربية، تقتات من الاعتياد المضجر، وتعيش على حبٍّ أو شبه حبٍّ أخرس، وعواطف نتراسلها تخاطرًا غير مفصح، وإبراقًا غير ناطق، فإنّ الحال في مجتمعنا الخليجي أعمق أزمة، وأشد وقعًا.
يكفيك من ذلك سطوة الكُنى على أسماء الزوجات، فهي في غالب الأحوال لا تنادى باسمها وإنما بكنية لها، هذا الحرص على التكتم حتى على أسمائهن، فلا إشارة أو إيماءة نحوهن إلا بعبارات من شاكلة: «الأهل»، أو «أم فلان» أو الجماعة، والعيب كل العيب، والمعرة كل المعرّة على من يأتي على ذكر اسم زوجته بين العالمين..
ولمّا كان الحال على هذا النحو، الذي من العسير علينا أن ننكره فإن بروز أيّ كاتب أو مؤلّف يتناول سيرة حياته الزوجية ويسرد تفاصيل لقائه بزوجته؛ بل ويصفها بـ«حبيبته» في صدر عنوان كتابه، لهو من قبيل «الجرأة» التي تخالف السائد، والصنيع الذي يكسر جدار الصمت، ويهد ويهدم سور التكتم الواهي.
فإن أردت الاستيثاق مما أقول فدونك كتاب «حبٌّ في خمسين عاما»، لمؤلفه الدكتور عبدالله صادق دحلان، رئيس مجلس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا ومؤسسها. ففي أضاميم هذا الكتاب، المنبسط في بياض صفحات تجاوزت المائة والأربعين صفحة، تتجلى هذه الجرأة في أنقى صورها ومعانيها، فلو أنك وقفت لحظة وتأملت عتبة العنوان «حبٌّ في خمسين عاما»، لأدركت مرامي الكتاب قبل الخوض في عبابه.
فهذا نصف قرن من الزمن، لقصة وسمها صاحبها بـ«الحب» وزادك من كيل الجرأة مقدار ما يثير دهشتك وهو يزيّن غلاف الكتاب بصورة له ولرفيقة حياته، مصرّحًا باسمها دون مواربة: سحر محمّد موصلي؛ وهو بهذا ينسف قواعد التكتم المجتمعي حيال الزوجة من أساسها، فلا كنية هنا، بل تصريح لا لبس فيه، ولا براقع حاجبات، ولا موانع معيبات وإنما هي صورة مشرقة لوجهين باسمين في دنيا التكتم والخصوصية..
نعم؛ ستكون «الجرأة» هي المفتاح الذي بيدك وخاطرك حين تتجوّل في أفياء ونوافذ الكتاب، سيعرض عليك «دحلان» تفاصيل لقائه بـ«سحر» ومدى تعلقه وحبّه لها سيمتعك بالذكريات اليانعة النضرة، ستقف على محطّات وتفاصيل عديدة، سأمسك عن ذكرها تفصيلاً، وإنما أشير إليها هنا إيماءة وتلميحًا، ليقيني أنها ممتعة في مظانها هناك، قمينة بالاطلاع والنظر إليها في سياقها، جديرة بتأملها وهي تخرج من ضيق الحرج المضروب على حياتنا الزوجية، إلى براح الإفصاح عن «حبٌّ في خمسين عاما»، مقدمًا بذلك دروسًا، حرّي بنا أنّ نتأملها فالمودة والرحمة والمحبة لا تهبط علينا من السماء أو تخرج لنا من الأرض لا بد أن نأخذ بالأسباب الموصِّلة إليها من مشاركة وجدانية وعاطفية ومادية ومعنوية وإبداء الحنان وإظهار العاطفة والملاطفة والمداعبة والحب والاحترام والتقدير فهذه أسباب توصِّل إلى إعمار البيوت واستمرارها.
هناك سببان يتمثلان في كون هذا الكتاب يمثل حالة تحريض لكافة الأزواج، ومن يأنس في نفسه «الجرأة» ليقدم تجربته الزوجية الناجحة، بما يشكّل إثراءً لهذا الضرب من الأدب، تحت أيِّ مسمى كان، أو لافتة، وليكن مثلاً تحت مسمى «أدب الأزواج والزوجات»، فإنّ هذا الضرب من الكتاب ينتظر أن يثري الدراسات الاجتماعية، ويعين الباحثين على إدراك السمات الإيجابية والسلبية في حياتنا الزوجية، بما يعين على معالجة الأخطاء، وتعضيد مواطن الاستحسان والإيجاب، فضلاً عما تمثله التجارب الزوجية المسطورة من فرصة للأبناء والأحفاد والأجيال اللاحقة بعامة لتستفيد منها متى ما كتبت بمداد الصدق.
أما السبب الآخر الذي يحملني على التحريض للاطلاع على تجربة الدكتور «دحلان» هو حرصه على أن تتعدّى تجربته في هذا الكتاب الحدود الشخصية المحضة، إلى الاستشراف العام، منظورًا ذلك في حرصه على تقديم خلاصات لتجربته الزوجية، في سياق قوله: «إن ما يدفعني إلى كتابة هذا الكتيب (أنا والسحرورة) ليس لسرد قصّة حياتي الزوجيّة، وإنما وجدنا في قصة حب لمدة نصف قرن مثالاً يمكن الاقتداء به لأبنائنا وبناتنا ولكل زوجين».
إن هذه الإشارة بظني هي مفتاح الكنز، والمصباح بيد قارئ هذا الكتاب، ولست متوليًا عرض الخلاصات التي انتهى إليها في كتابه، حتى لا أفسد بهجة الاطلاع عليها في أضاميم «حبٌّ في خمسين عاما».
ليس عندي غير الشكر للمؤلف الدكتور دحلان على هذه المتعة الجريئة، والتجربة المحفزة، متمنيًا له ولـ«سحر» عمرًا مديدًا في هذا الحب الخالد.