-A +A
محمد الساعد
من لا يفهم التغيرات العميقة والكبيرة التي حدثت في السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، فهو لا يزال يعيش في القرن الماضي، وسيبقى أسيراً لآليات عمل قضت نحبها وانتهت صلاحيتها، ولن يكون قادراً على التعامل معها، ولا يستطيع أن يتعايش مع السعودية الجديدة ولن يتقبلها، وكل ما في الأمر أنه سيقف بعيداً منزوياً مستعدياً الجميع عليها، وسيجد نفسه مهملاً مهمشاً، وليس في ركب التقدم الذي تقوده الرياض للإقليم بأكمله، وبالطبع ستكون لديه إجابته السهلة: لقد تغيرت..

نعم.. تغيرت بما يحقق مصالحها ومصالح أمتها السعودية، وبما يحقق استراتيجية «السعودية أولاً».


يجب أن تعرف أنك تتعامل اليوم مع سعودية جديدة في شكلها التالي:

المال السياسي ليس طريقاً للعمل.

علاقات الند للند هي أقصر الطرق لقلب الرياض.

حب الخشوم ليس طريقاً لعودة المياه السياسية.

الضغط على السعودية بالتصريحات الإعلامية لن يخضعها.

ابتزاز السعودية بقضايا اجتماعية لن يدفعها للتراجع عن التحديثات التي تنشرها في بلادها.

شن حملات صحفية غربية لن يركعها لصالح العواصم الغربية.

نشر تقارير منظمات حقوقية لا يستطيع إخراج المجرمين والإرهابيين والانقلابيين من محكومياتهم.

إطلاق حملات إلكترونية بهدف إثارة الفتنة الشعبية كما كان سابقاً، أول من يتصدى له الشعب قبل الأجهزة الحكومية.

السعودية ستمضي في طريق التحديث، ومن أراد الصعود في عربات القطار الذي تقوده، فأهلاً وسهلاً، ومن لا يريد فأهلاً وسهلاً، بشرط أن لا يحاول إعاقة مسيرتها.

ما سبق كانت أدوات عمل استخدمها كثير من العرب، وبعض الغربيين لسنوات طويلة للتعكير على المملكة وإعاقة تمدّنها، لكنها لا تؤثر اليوم في الجبل الصلب الذي وضعه السعوديون بينهم وبين أعدائهم.

الروح السعودية الوثّابة التي بدأت مع وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان مبنية على التالي:

السعودية ستقود مشروعها التنموي الخاص، وستستثمر إمكاناتها المتاحة لها، وستخلق لنفسها الفرص التي تعظّم من دورها ومكانتها السياسية والاقتصادية والحضارية شاء من شاء وأبى من أبى.

من لا يأخذ السعودية ومصالحها ومخاوفها ومكانتها وقيمتها على محمل الجد، عليه أن يتحمل خسارتها.

السعودية الحديثة ليست هشة لتسقط، وليست لزجة يمكن استباحتها من تنظيمات عابرة، ولا السيطرة عليها من عواصم عظمى.

السعودية لا تبدأ المواجهة، لكنها ستسير فيها إلى آخر الطريق وعلى من بدأها أن يتحمل.

السعودية تتوقع ممن ساهمت في تنميته أو حمايته أو وقفت معه في أزماته أو في المحافل الدولية، أن لا يسيء إليها ولا يتعامل معها على أنها جمعية خيرية، بل عليه رد الجميل أو الانزواء بعيداً عنها.

الاستقلال السعودي ليس جديداً، فهو خيار السعودية الأول منذ التأسيس، لكن سياسة التغافل لم تعد لها مساحات كبيرة في هذا الزمن السياسي الصعب، فقد تركت انطباعاً لدى الآخرين بأن السعوديين من السهل استعادتهم مهما فعلت بهم من نكايات.

إن أكثر ما فقده أعداء السعودية ويتألمون لذلك، هو الشارع السعودي، الذي كانوا يتلاعبون بعواطفه بدءاً من شريط أبوريالين ومروراً بمنتديات الساحات، وليس انتهاء بتويتر في بدايات الخريف العربي، لقد كانت حملات ممنهجة الغرض منها صناعة الإحباط ونشر الكوابيس الاجتماعية والسياسية بما يدفع الشعب للاستسلام وقبول الانتحار الجماعي.

لقد كان للملك سلمان والأمير محمد بن سلمان دورهما المهم في استعادة القيمة الوطنية التي تآكلت لعقود، مقابل الأممية الجاهلة التي أفرزت ولاءات عابرة للحدود وهمّشت القيمة التاريخية المحلية للأشخاص والأحداث، لم يكتفِ الأعداء بذلك بل قاموا باستبدالها بأشخاص وأحداث لتنظيمات وقوى ودول خارج المملكة، كل ذلك انتهى مع استعادة الشارع إلى وطنه وكشف خصومه، وجعله شريكاً في مقاومة العدوان والأعداء.

إن واحدة من أكثر الصدمات المفاجئة التي لحقت بأعداء السعودية أنهم كانوا ينتظرون «بابتسامات صفراء واسعة» أن تقضي نحبها بعد أكثر من قرن على تأسيسها، فإذا بهم يتفاجأون بدولة تستعيد عافيتها وتحدّث كيانها وتنهض لتعانق عنان السماء، تتجدد وتبني لقرون قادمة اقتصاداً وسياسةً ومجتمعاً وتنميةً مستدامةً غير مسبوقة، عاصمة مهابة، ناجحة، تُؤخذ على محمل الجد، وتتضاعف قيمتها حتى أضاءت اليوم العالم العربي كله.