-A +A
هيلة المشوح
بتُّ أُؤمن بشدة بتأثير الدعاية السلبية وما تجلبه من شهرة وأموال أكثر من إيماني بذكاء وإبداع الدعاية الإيجابية المدروسة والمتعوب عليها، ولدي إثباتان على دقة رأيي هذا بحدثين متزامنين تقريباً، وهما الحملة المحمومة التي واجهها صاحب (الشاهي إياه) وصنعت لمنتجه اسماً مؤثراً ومعروفاً بسبب دعوته لبعض المشهورات سعياً للإعلان عن منتجه وسط مخيم أُحييت فيه العرضة النجدية وتمايلت عليها الفاشنستات المشهورات (علماً أنني وربما كثيرين مثلي لم نكن نعرف منهن إلا واحدة أو اثنتين)، والإثبات الثاني هو الحملة الأشرس التي كانت أشد اتساعاً باتساع رقعة الوطن العربي ورافقت عرض فيلم (أصدقاء ولا أعز) على نتفليكس للفنانة منى زكي وأثار ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي لأسباب تتعلق بمخالفته للقيم العربية والإسلامية - حسب رأي المعترضين - وأظن أنه لم يبق عربي لم يشاهد الفيلم (المتواضع جداً) على منصة نتفليكس العالمية، علماً أن الفيلم يعتبر النسخة ١٩ لذات القصة المستوحاة من الفيلم الإيطالي الشهير Perfect strange.

المجتمعات العربية (ككل) لم تتكيف بعد مع الواقع القسري الذي يفرضه العالم بتقنياته ومنصاته الرقمية ويقحم هذا الواقع داخل البيوت لتتأقلم معه الأجيال بكل سلاسة، فمن ناحية: يعرف الإنسان العربي أنه لا يستطيع صد طوفان المتغيرات وحجب الواقع عن أطفاله ومراهقيه، ومن ناحية أخرى يثور أمام أي ثقافة تخترق ثقافته وقتاعاته ويصنع منها زوبعة أشبه بزوبعة الفنجان التي لا تلبث أن تهدأ بتغلغل هذه الثقافة والانسجام معها والاستسلام لها، وأنا هنا لا أُقر ما ورد في الفيلم من قناعات جنسية ومثلية وخيانات زوجية، بل أُقر وبشدة أن القاعدة هي الحماية الفكرية وترسيخ القيم لدى النشء دون تطرف أو حنق أو ازدراء وامتهان للآخرين، والفكرة المقنعة - السليمة - لن تتغير مهما خالطها كمٌ من الأفكار الشاذة (هذا في حال كانت فكرة صحيحة فعلاً).


في الواقع أننا مررنا بأسبوع من الغليان، غليان الشاهي، وغليان فيلم (أصحاب ولا أعز)، وللحق أن كليهما أبسط من أن يحظى بهذه الدعاية القوية التي جعلت دعوات مقاطعة الشاهي ترتد لترفع أسهمه، وصنعت من فيلم بسيط لم يتجاوز محيط تصويره طاولة طعام متواضعة ومطبخاً ويتعرض لحكاية سبعة أصدقاء قرروا في ليلة خسوف القمر الالتفاف حول طاولتهم والاتفاق على لعبة تتلخص بترك هواتفهم مفتوحة على الطاولة ما كشف أسرارا مثيرة حول حياتهم الشخصية، مثل الخيانة الزوجية والمثلية الجنسية.

بعد حكاية الشاهي وفيلم الأصدقاء الأسبوعين الماضيين أيقنت أن الشعوب العربية بهذه الحملات المضادة لا تدافع عن قيمها كما يتراءى لها بقدر ترسيخها للقيم المنافية لها، وذلك بتحريك عاطفتها بقليل من الذكاء وكثير من الضوضاء والعشوائية بمعنى (طقها والحقها)، وختاماً لدي سؤال مهم (هل فعلاً توجد مثلية جنسية في المجتمعات العربية أم لا)؟