-A +A
أسامة يماني
لقد أعلنها صريحة ولي العهد قائلا «لقد قدمت وعوداً في عام 2017 بأننا سنقضي على التطرف فوراً، وبدأنا فعلياً حملة جادة لمعالجة الأسباب والتصدي للظواهر. خلال سنة واحدة، استطعنا أن نقضي على مشروع أيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة». وتابع حفظه الله قائلاً «اليوم لم يعد التطرف مقبولاً في المملكة العربية السعودية، ولم يعد يظهر على السطح، بل أصبح منبوذاً ومتخفياً ومنزوياً. ومع ذلك سنستمر في مواجهة أي مظاهر وتصرفات وأفكار متطرفة». نعم لقد أصبح التطرف منبوذاً ومتخفياً وسيظل كذلك إلى أن يتم القضاء على مصادره التي تصيب العقل العربي بالجمود. ومن أهم هذه المصادر التراث الثقافي الذي يحتاج لنقد وتصفيته من الموروث الثقافي. غير أن حماة التراث يخافون من نقد التراث. ويصيبهم رهاب وخوف من فكرة نقد الموروث الثقافي والأخلاقي. حتى أنه في أحد المؤتمرات الهامة التي تهدف إلى تجديد الفكر قال قائل: «لكن أرجوكم ابحثوا عن مشكلة غير التراث».

يقول الكاتب محمد المحمود في مقال بعنوان رُهَاب نقد التراث عن عدم صلاحية ونجاعة التجديد تراثياً بعيداً عن النقد الجذري/‏‏‏ التفكيك «التجديد ـ التراثي ـ هو تجديد في حدود وعي الأسلاف، في حدود أفق الوعي لرجال عاشوا قبل ألف عام، الخطوات التجديدية لا تذهب بعيداً، بل يجب أن تكون محسوبة وفق ما يسمح به التراث في منطوقه الصريح، لا وفق ما تؤدي إليه منهجيات البحث الحديثة في مجال الفكر والعلوم الإنسانية والاجتماعية التي من شأنها أن تعيد صياغة نظام التصور للفقيه من جديد». وذكر الكاتب ما للتراث من أثر إيجابي، غير أن هناك كثيراً من الآثار السلبية؛ إن من أهم تلك القيم السلبية تمجيد العنف واحترام الطغيان، ومنها أيضاً الفخر الكاذب والغرور الأجوف، وما ينبني عليهما من أنانية مقيتة تنتهي بالصراع المادي أو المعنوي، وبكليهما أيضاً، كما في قول عمرو بن كلثوم التغلبي في معلقته:


وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً

وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا

مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا

وَظَهـرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِـيْنَـا

وترى الكاتبة فاطمة القرقوري في مقال الموروث الدينيّ: مقاربة نقديّة استشرافيّة* «فالموروث ...، انطلاقا من هذا الطّرح الإيديولوجيّ/‏‏‏ الإحيائيّ لا يكون إلاّ في علاقة تنافر وقطيعة مع التحوّلات الزّمانيّة والمكانيّة والتاريخيّة. ودون الإسهاب في استقراء الأسباب، نقول لقد ساد في المتخيّل الجمعيّ الإسلاميّ فكرة انحباس الموروث في حقبة زمنيّة خارجة عن سياق التّاريخ وتبدّلاته. ووفّر هذا التصوّر إمكانات واسعة ثقافيّاً لارتقاء الموروث إلى مرتبة القداسة في الذهنيّة الإسلاميّة».

وقد تعدّدت التعريفات لمصطلح التراث الثقافي فهو مصطلح واسع وشامل لأساليب الحياة المختلفة في المجتمع والتي تتناقلها الأجيال عبر العصور، من العادات والأماكن والأخلاق والأساليب الفنية، «التراث على وجه العموم هو الموروث الإنساني، أو بالمعنى المصطلح التراث الإنساني، الذي هو كل ما تراكم خلال الأزمنة من تقاليد وعادات وتجارب وفنون وعلوم، فمنه تراث عالمي ومنه تراث شعبي وكذلك التراث التاريخي، التراث الأدبي، التراث الديني والتراث الصوفي».

إن للتراث أثراً كبيراً وبالغاً على مفاهيم وقيم وأخلاق وفنون وآداب وعادات وتقاليد المجتمع. فاللغة على سبيل المثال تزخر بكلمات تقلل من شأن الأنثى واعتبارها جزءاً من المتاع الذي يملكه الرجل. مع أنه، نظرياً، يقال إن المرأة مكفولة حقوقها، ويقارن وضعها من الناحية النظرية بوضع المرأة في عصور قديمة أو مجتمعات متخلفة، لكي يظهر الجانب المشرق. واللغة تسعفنا بكثير من الأمثلة التي تزخر وتعكس النظرة الدونية تجاه الأنثى واعتبارها متاعاً خاصاً بالرجل وعورة. كما يطلق على البيت غير الآمن أنه عورة، أو عار بمعنى مكشوف، وكذلك كلمة تبرج مشتقة من برج لأنه مرئي وظاهر ومرتفع، لذا اعتبرت المرأة غير المحجبة متبرجة.

ونخلص إلى أن نقد التراث وتصفيته من الانحرافات الفكرية والخرافات هو السبيل للخروج والانفكاك من الأغلال الفكرية والجمود الذي أصاب العقل العربي والعقلانية في الفكر العربي والإسلامي، وكذلك ضرورة التعددية الفكرية وإدراك مشكلات ما بعد الحداثة، وتجاوز الإطلاقات المتناقضة.