-A +A
عبدالله بن بخيت
من يتخيل أن يذهب شاب سعودي إلى البلاد المفتوحة أو بلاد «الهنك والرنك»، على قول إخواننا السودانيين، دون أن تمتد يده إلى القويريرات في محلات الوناسة. عندما تعود بنا الذاكرة سنستعيد الحرب على الابتعاث. كادت ذريعة قويريرات الوناسة هذه تطيح بالابتعاث وتوطين التكنولوجيا وأن تعيدنا ثمانمائة سنة بقيادة أساتذة الجن الذين يأكلون الرز، وأكاديمية الهيئة التي تقدم دروساً في فك السحر بالطرق العلمية.

عاد سعد الصويان أستاذ جامعة وباحث في علم الأنثروبولوجيا، وتخرج على يده مئات ربما آلاف من طلبة العلم (الحقيقي) الذين تتلمذوا على كتبه، وأسهم في كثير من الأبحاث والموسوعات. ترى لو أن سعداً هذا وآلاف من زملائه حُرموا من الابتعاث خوفاً عليهم من قويريرات الوناسة: هل سنحصل على البنوك السعودية العملاقة، هل كنا سنحصل على المستشفيات المتقدمة، هل كنا سنتمكن من إدارة شركة عملاقة كأرامكو، هل سنؤسس سابك والمراعي؟. كل من أسهم في بناء هذه النهضة تعرض لإغراء قويريرات الوناسة، بعضهم خاض التجربة وبعضهم اجتنبها بيد أنهم جميعاً عادوا وأسهموا في بناء بلادهم.


تداولت السوشال ميديا مقطعاً قصيراً من مقابلة تلفزيونية أجراها عبدالله المديفر مع الدكتور سعد الصويان تحدث فيها بوضوح وصراحة طارحاً قضايا هامة ومفصلية من وجهة نظره. التقط بعض الأخوة مقطعاً قصيراً تحدث فيه الصويان عن تجربته في أمريكا، وذكر عرضاً قويريرات الوناسة. على رغم أن المقابلة حوت كثيراً من المواضيع الخطيرة والهامة، إلا أن الناس ركّزت أيضاً على حكاية قويريرات الوناسة. فالقضية ليست مجرد مزحة بقدر ما هي موضوع يستوجب النظر. تنقلنا هذه المقابلة إلى قضية هامة وخطيرة على الرغم من تفاهتها عند البشر الآخرين وفي الحضارة الإسلامية.

لا أتذكر أن طرح الإعلام السعودي مسألة شرب الخمر، ولا أتذكر أن جرؤت صحيفة سعودية على طرح مسألة تعاطي الخمر في المملكة على الرغم من انتشار أخبار التسمم الكحولي جرّاء شرب الخمر المصنّع داخلياً. نتعاطى مع هذه القضية بأسلوب النعامة. كأن من يتعاطى الخمر ليسوا أبناءنا وإخواننا، ولا ندرك أن ضحايا هذا النوع من الخمر هم من الطبقة المتوسطة والفقيرة، أما الأغنياء محبو الوناسة فقد أغنوا بأموالهم العصابات التي تهرّب الخمر الجيد وتسرّبه داخل البلاد. وهذه العصابات استولدت عصابات أخرى. عصابات التهريب تليها عصابات التوزيع ثم عصابات غسل أموال... إلخ، فالعصابة تولد عصابة وينتهي الأمر بتهديد الأمن الوطني. حان الوقت لكي نبدأ في مناقشة القضايا المسكوت عنها لكي نتحرر من الفوبيا التي زرعها فينا دعاة الصحوة. حان الوقت الذي تتعاون فيه الأجهزة الأمنية مع الأجهزة الصحية مع الجهات المالية لتقدير الخسائر الكبيرة من تسرّب الخمر الجيد عبر العصابات والأضرار الكبيرة التي يسببها الكحول المغشوش الذي يصنع بالداخل. مضافاً إلى ذلك المبالغ المالية الضخمة التي تصرف خارج المملكة من جيوب طالبي هذا النوع من المتعة. علينا أن نبدأ في مناقشة القضايا الهامة بفكر خارج الصندوق الصحوي. سؤال واحد علينا أن نطرحه على المسؤولين في كل القطاعات المعنية: هل قانون حظر دخول الخمور البلاد منع دخول الخمور وأوقف تعاطيها؟ طرح هذا السؤال والإجابة عليه دون مماحكات أيديولوجية سيفتح لنا باباً طالما أغلقناه وأغلقنا معه عقولنا عن التفكير العلمي والعملي والاقتصادي.