-A +A
محمد مفتي
من المؤكد أن المتابع لأحداث منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة، سيجد أن العلاقات السعودية الإيرانية مرت بمنعطفات عدة، ومن المؤكد أن هناك العديد من الأسباب التي وقفت خلف التوترات التي شهدها البلدان، لعل أهمها ما تعلق بحربي الخليج الأولى والثانية؛ حيث استغلت الكثير من القوى العالمية الخفية وقتذاك الوضع لتظل المنطقة مشتعلة وملتهبة ومتفجرة إلى الحد الذي يبدو فيه للعيان وكأنه لا حل لتلك المشكلة في الأفق القريب، وخلال كافة الأزمات حافظت المملكة بوعي وحسم على شعرة معاوية، رغبةً منها في لمّ الشمل حتى لا تتفجر الأوضاع بين الدولتين الجارتين المسلمتين أكثر من ذلك.

من السهل على المتتبع لتلك الأحداث أن يكتشف أن أحد الأسباب المهمة التي وقفت خلف هذا الصراع وسعت على نحو حثيث لاستمراره مشتعلاً هو بعض القوى السياسية داخل إيران نفسها، فلم تقتصر الأطراف التي سعت لتفجر الأوضاع بين الجارتين على بعض القوى الخارجية، بل تاجرت بعض القوى السياسية الإيرانية لاستغلال الأوضاع لاكتساب شعبية زائفة من خلال المتاجرة بالقضية، غير أن المملكة لم تتوقف عن مساعيها الجادة في استمرار التواصل مع بقية التيارات السياسية المعتدلة حتى داخل المؤسسة السياسية الإيرانية ذاتها، التي طالما رغبت في تحسين العلاقة مع جارتها المملكة ذات الثقل السياسي والوزن الاقتصادي العالمي والإقليمي المتميز.


لعله من غير المفيد حالياً التنقيب عن الجذور التاريخية لطبيعة العلاقات بين البلدين، ولا عن مسببات الخلافات بينهما، فالكثير منها واضح دون أدنى شبهة لبس، إلا أن بعضها يدار فعلياً من خلف الكواليس، غير أنه مع وصول كل إدارة جديدة للرئاسة في طهران تعقد المملكة الأمل من جديد في أن تنجح في تجاوب تلك الإدارة معها لنزع فتيل الأزمة، وتنقية العلاقة من الشوائب التي تسببت في جمودها، وعلى الرغم من تعاقب السنين واختلاف الظروف إلا أن المملكة لم تتغير شروطها أبداً ولم تفقد رغبتها دوماً في فتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين، وظلت تحتفظ دوماً بأهدافها الصريحة التي تخلو تماماً من التعسف والانحياز.

تعتمد أهداف المملكة بصورة جذرية على المبادئ والمواثيق الدولية التي يجب على الطرفين الالتزام بها لتحقيق السلام الدائم والشامل في المنطقة، ومن أهمها عدم تدخل إيران في الشؤون الداخلية للمملكة، وعدم دعم المليشيات الخارجة عن القانون وتشجعيها للنيل من استقرار المملكة، ويعي العقلاء في إيران تماماً أن تأجيج الصراع بين الدولتين لا يصب في صالح أي منهما، ومن الملاحظ مدى مشروعية المطالب التي ترغب المملكة في التزام الطرف الإيراني بها، فكل ما تطلبه المملكة هو التوقف عن دعم الصراعات بالوكالة التي تهدد بشكل مباشر حدودها، غير أن الملف النووي أيضاً يحتل صدارة الملفات العالقة بين البلدين، فالأسلحة النووية مصنفة عالمياً كأسلحة دمار شامل، ولا توجد دولة في العالم تقبل بوجود أسلحة من هذا النوع بالقرب من حدودها الجغرافية.

يعلم الجميع -بطبيعة الحال- أن موقف الدول الغربية من رفضها لامتلاك إيران السلاح النووي ليس ناتجاً عن حرصها على أمن واستقرار شعوب المنطقة، بل ينبع من حرصها على مصالحها الخاصة، وبنظرة عجلى وشاملة للتاريخ قديمة وحديثة، يتكشف لنا بوضوح أن الحرب بصورة عامة لا تحل أي قضية، أيّاً كانت أطرافها ودوافعهم، ولطالما حُلت القضايا الشائكة بالجهود الدبلوماسية والمساعي السلمية، غير أن تلك الجهود السلمية لا بد أن يسبقها إظهار حسن النوايا والرغبة الجادة والحقيقية في حلها، كما أن حلها يعتمد بصورة جوهرية على تحكيم العقل والمنطق وتغليب المصالح العامة لكل من البلدين على المصالح الضيقة ونزوات بعض القادة.

بصفة شخصية لاحظت أنه بمجرد وصول رئيسي للرئاسة في إيران شن الإعلام الغربي حملة مناهضة قوية وشرسة ضده، متهمين إياه بالدموية وجرائم الحرب، لم تثر تلك الحملة اهتمامي كثيراً كونها شأناً إيرانياً داخلياً أولاً وأخيراً، غير أن تلك الحملة بدت لي غريبة نوعاً ما، فمن ناحية تنصب غالبية الاتهامات خلال فترة الثمانينات، وهي تلك الفترة التي كان خلالها النظام الإيراني متكئاً على الأريكة الأمريكية وهو ما كشفته فضيحة الكونترا، ومن ناحية أخرى لفت انتباهي توقيت شنها؛ حيث بدت لي وكأنها رسالة واضحة وصريحة من الغرب لدول المنطقة للنفخ في الصراع ليعود مشتعلاً وبقوة مرة أخرى.

لا شك لدينا في أن الجناح المعتدل في إيران على دراية كافية بأن تدويل القضية الإيرانية بات غاية بحد ذاته، فهو إحدى الأوراق التجارية في جوهرها، والاقتصادية والسياسية في مظهرها، التي تلعب دوراً محورياً داخل أروقة السياسة الغربية، فلا يخفى على أي متابع للشأن السياسي أن قضية إيران حاضرة في غالبية الحملات الانتخابية الغربية، وهي إحدى البوابات الرئيسية التي يكتسب أو يفقد من خلالها المرشحون أصواتاً انتخابية، وكل ذلك على حساب استقرار وأمن شعوب المنطقة، والكرة الآن في الملعب الإيراني؛ إما أن يستسلم النظام للتيار الانتهازي السياسي الغربي الجارف الذي لا يهتم قيد أنملة بحياة الشعب الإيراني، أو أن يثبت قدرته على فهم قواعد اللعبة السياسية جيداً، وإدراكه أن مؤامرات تلك الدول الغربية لن تسفر إلا عن كل شر ودمار ليس للشعب الإيراني وحده، بل لدول وشعوب المنطقة.