-A +A
محمد مفتي
مع انتشار الكثير من الميليشيات المسلحة والجماعات المنشقة في بعض الدول، سارعت الكثير من الدول المتضررة منها بتصنيف العديد منهم ضمن قوائم أطلقت عليها قوائم الإرهاب، وتلك القوائم إما أنها تتضمن اسم تلك الميليشيات أو الجماعات أو تتضمن أسماء المنتمين إليها كقادة أو حتى هؤلاء المنتمين إليها فكرياً، وهذا التصنيف تعتبره تلك الدول خطوة رئيسية في محاربة الإرهاب المتزايد عالمياً، والذي غالباً ما يتلبس بعباءة دينية متطرفة ليكتسب المزيد من المؤيدين ويبسط نفوذه في الشارع العربي؛ كون الغالبية العظمى من هذه الشعوب متدينة بطبيعتها، ومن ثم يسهل التلاعب بها والتغرير بها تحت ستار الوازع الديني، وهو ما فعلته جماعة الإخوان المسلمين وداعش وغيرهما.

هناك الكثير من الدول التي حذت حذو الولايات المتحدة وقامت مثلها بتصنيف بعض هذه التنظيمات ككيانات إرهابية، في خطوة الهدف منها التحذير من التعامل الرسمي معهم سواء كانوا دولاً أو مؤسسات مالية، وهناك العديد من التنظيمات المصنفة باعتبارها إرهابية غير أنها تنظيمات محلية، لا يتجاوز أثر تصنيفها حدودها الجغرافية، فهناك قائمة تصنفها المباحث الفيدرالية الأمريكية وجهاز المخابرات الأمريكية ويتم تحديثها دورياً داخل الولايات المتحدة وتتعلق بأخطر المطلوبين أمنياً داخل القطر الأمريكي فحسب، غير أن الأمر لا يقتصر على ذلك، ففي حال وجود أحد هذه الأسماء خارج الولايات المتحدة تقوم الإدارة الأمريكية بإدراجها ضمن قوائم الإرهاب ليتم تحذير المجتمع الدولي من التعامل معها.


لكن الملاحظ أن القائمة التي تقوم الولايات المتحدة بالإعلان عنها تكون متعلقة بالدرجة الأولى بمدى تأثر الأمن الأمريكي بها، وهو ما يعطي انطباعا بالازدواجية السياسية التي تتبعها الولايات المتحدة وبأنانيتها المفرطة عند تعاملها مع أمن الدول الأخرى حتى لو كان أحد المتضررين هو أحد حلفائها التاريخيين، وتزخر منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد بالعديد من الجماعات والميليشيات المتطرفة التي ظهر بعضها عقب الفوضى التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين في العراق وكذلك سقوط نظام الطاغية معمر القذافي في ليبيا.

تزامن ذلك مع سيطرة الحوثيين -وهم أقلية في الدولة اليمنية- على العاصمة صنعاء وعلى بعض القرى اليمنية، مما أدى إلى تهديد سافر للمنطقة ككل، غير أن المعني به بالدرجة الأولى كانت المملكة العربية السعودية، وقد تعاملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بازدواجية واضحة لا تخطئها العين ولا يقرها المنطق مع هذه الميليشيا المنشقة على النظام السياسي اليمني المعترف به دولياً، ففي العام الماضي أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية رفع حركة أنصار الله الحوثية في اليمن من قائمة الإرهاب، وهو ما يعني ضمان استمرار تدفق السيولة النقدية لهذه الجماعات تحت ستار وهمي أعلنته إدارة الرئيس بايدن بدعوى ضمان وصول المساعدات للشعب اليمني.

ما حدث نتيجة لذلك هو استمرار الاعتداء الآثم على الشعب اليمني وعلى أراضي المملكة في نفس الوقت، وهو الأمر الذي قابلته الإدارة الأمريكية بدون اكتراث أو مبالاة، فالإدارة الأمريكية ترغب في فرض السلام في المنطقة ولكن بشروطها هي فقط وليس حسبما يتطلب الموقف نفسه، فالولايات المتحدة تعلم تماماً ما يجري داخل كل شبر بالأراضي اليمنية، وتعلم تمامًا حجم الانتهاكات اللاإنسانية التي يقوم بها الحوثي ممثلة في تطبيقه للعديد من السلوكيات المجرّمة قانونياً على المستوى الدولي، كالتوسع في الإعدامات الجماعية وتجنيد القُصَّر في معاركهم مع التحالف الذي تقوده المملكة لإعادة الاستقرار إلى اليمن ومن ثم إلى المنطقة برمتها.

لعل أخطر الميليشيات المسلحة التي تدور في فلك الإرهاب كلية هو حزب الله اللبناني، والذي قامت مؤخراً بعض الدول -كأستراليا- بتصنيفه كمنظمة إرهابية، وقد رحبت الإدارة الأمريكية بقرار الحكومة الأسترالية بهذا التصنيف، ولكن في اعتقادي الشخصي أن الخطوة التالية الواجب اتخاذها بالضرورة هي تصنيف جميع الدول والشخصيات التي تدعم حزب الله عسكرياً ومالياً باعتبارها إرهابية هي الأخرى، إضافة إلى ضرورة ضم جميع الجماعات التي يقوم حزب الله -بدوره- بدعمها لنفس القائمة والتصنيف أيضاً، وهو الدعم الذي يستهدف تحقيق أجندة لا يخفى على الجميع أهدافها ولا من يقف خلفها.

من المفترض أن يكون التصنيف ضمن قوائم الإرهاب دولياً ومن خلال قرارات حاسمة وملزمة من قبل مجلس الأمن الدولي تجاه تلك المنظمات الإرهابية وتجاه زعمائها ومن يقف خلفهم تحديداً، فالولايات المتحدة ترى تلك المنظمات والدول بعين واحدة في الوقت الذي تغمض فيه عينها الأخرى عمداً، في تجاهل واضح لأخطارها الكامنة، وعلى نحو قد يضر بها هي في المقام الأول، وما لم يتم تدويل تصنيف هذه المنظمات والشخصيات والدول فإن المنطقة ستظل مشتعلة تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي.