-A +A
عبداللطيف الضويحي
من المفارقات أن التاريخ والجغرافيا في الشرق الأوسط ليسا على وئام، بل إن جغرافية الشرق الأوسط كانت دائما على نقيض مع تاريخ الشرق الأوسط، فالموقع الجغرافي للشرق الأوسط جعل منه حلقة وصل بين قارات العالم وملتقى ثقافات وحضارات واقتصادات ملأت العالم حضارةً واستقراراً، لكن تاريخ الشرق الأوسط عاجز عن أن يؤمن الأمن والاستقرار لشعوبه، فضلا عن تأمين النهضة والازدهار.

الشرق الأوسط أكثر المناطق اضطرابا وحروبا ودمارا، رغم أنه من أثرى مناطق العالم بالديانات السماوية، والموارد الطبيعية. الشرق الأوسط أكبر منطقة طاردة للسكان بينهم ملايين اللاجئين والمهاجرين. يتمتع الشرق الأوسط بموقعه الإستراتيجي والحيوي، وكثرة أنهاره، لكنه من أفقر مناطق العالم بالمياه.


في الحقيقة كل عوامل نجاح دول وشعوب الشرق الأوسط متوفرة من توفر مواردها البشرية أو مواردها الطبيعية. في الحقيقة يمكن أن تكون الشرق الأوسط أكبر وأهم تكتل في العالم. شريطة توفر الثقة أولا ومن ثم إرادة التغيير وإدارة التغيير. بعدها كل التحديات والمعضلات الطبيعية والبشرية ستزول وتنتفي تماما.

تجاذبات كثيرة أخذت الشرق الأوسط وجعلت منه منطقة محفوفة بالمخاطر كانت تقف وراءها قوى إقليمية وعالمية معروفة. فمن مشاريع الشرق الأوسط القديم بإمبراطورياته ونزاعاته التاريخية، إلى الشرق الأوسط الكبير ومن ثم الشرق الأوسط الجديد. كلها تتساقط وتتهاوى لأنها ببساطة لم توقف العبث بأرواح شعوب المنطقة ولم ترع حقوق الإنسان ولم تحترم القانون الدولي وحسن الجوار واحترام الآخر. وصولا إلى الشرق الأوسط النووي الذي يجر هذه المنطقة المشتعلة أصلا إلى أتون حرب نووية.

كان لا بد من إطلاق المبادرة السعودية الخضراء للشرق الأوسط الأخضر لتكون بمثابة مشروع عربي نهضوي مقابل المشروع النووي الإسرائيلي والإيراني ورسالة سعودية للعالم بأننا دعاة سلام ودعاة شرق أوسط آمن مستقر تنعم شعوبه بالأمن والسلام والاستقرار يوقف نزف اللاجئين والمهاجرين، ويوقف مستنقعات الفقر والبطالة والتطرف.

إن المبادرة السعودية للشرق الأوسط الأخضر لا تعني الشرق الأوسط كمكان فقط، لكنها تعني بالمقام الأول الشرق الأوسط كزمان، وهي بمثابة استفتاء لشعوب المنطقة على الاختيار بين شرق أوسط نووي إيراني وإسرائيلي وشرق أوسط سلمي نهضوي أخضر عربي سعودي. فمنطقتنا لا تحتمل مزيداً من سباق التسلح النووي من ناحية، بل هي بحاجة لسباق مشاريع السلام.

من هنا، تتضح الصورة الشاملة والدقيقة التي أعلنها سمو ولي العهد حول كافة مبادرات البيئة ومنها مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي يمكن من خلالها قراءة وفهم التصريح التاريخي لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي تحدث فيه عن أنه يتطلع ويعد بشرق أوسط سيصبح أوروبا الجديدة.