-A +A
رامي الخليفة العلي
يشهد العراق في العاشر من الشهر الجاري انتخابات برلمانية يرجو الجميع أن تنتج مشهداً سياسياً مغايراً للمشهد الحالي. الرهانات ليست كبيرة بأن تتغير الطبقة السياسية وأن يتم التخفيف من وطأة الفساد المستشري في أوصال الدولة وجهازها الإداري، والأهم من ذلك استعادة الدولة العراقية لسيادتها على كامل أراضيها من خلال احتكارها للعنف، لأن هذا هو شرط وجود الدولة كما يعرفها ماكس فيبر، وذلك من خلال القضاء على المليشيات المتطرفة خصوصاً تلك التي تملك ارتباطات خارجية تتجاوز الحدود وترتبط مع هذا الخارج بمشروع يتعارض مع مشروع الدولة أساساً.

العراق يعاني من أزمات بنوية رسخت حالة من التهتك اكتنفت الدولة العراقية منذ الغزو الأمريكي وحتى الآن. الأزمة الأولى في طبيعة النظام السياسي الذي ينتج حالة سياسية بعيدة كل البعد عن الاستقرار السياسي، إنه نظام الأزمة المستدامة، النظام السياسي بني على أساس طائفي ومذهبي، وبالتالي الأحزاب السياسية هي تجسيد لهذه الطائفية، وبدل أن يكون هذا النظام عامل توحيد تحول إلى عامل تشرذم وتمزيق. وهذا النظام يجعل من المستحيل تقريباً تغييراً يرتجى سواء على مستوى البرامج السياسية أو على مستوى الوجوه السياسية. التنوع في العراق هو على الدوام مصدر غنى ثقافي وحضاري ومعرفي، ولكن النظام السياسي الحالي حوله إلى عامل تقسيم، مما أدى إلى إضعاف الدولة والقانون بمقابل تقوية شوكة تنظيمات ما قبل الدولة كالطائفة والمذهب والعشيرة والعائلة، مما أدى إلى تسارع الانزلاق نحو مستنقع يكاد لا يُرى له قرار. أما الأزمة الأخرى التي لا تقل خطورة فهي التدخلات الإقليمية وعلى رأسها التدخلات الإيرانية التي ساهمت في زيادة أزمة العراق، فهي وجدت في حالة السيولة التي تمر بها الدولة العراقية بُعيد الاحتلال الأمريكي فرصة سانحة لبناء نفوذ يعتمد على تمزيق العراق وجره نحو الفوضى. الأهم من ذلك أن التدخلات الإقليمية هذه أسست مليشيات طائفية تدين بالولاء لها، مليشيات باتت تبتز الدولة في سلاحها وقوتها العسكرية. إذا أضفنا إلى ذلك نشوء جماعات إرهابية متطرفة تدعو لحرب مذهبية، فإن ذلك أسرع وصفة للخراب. كل هذا الواقع أنتج حالة من الفساد غير المسبوقة ليس فقط في العراق ولكن على المستوى العالمي بحيث تذيلت بلاد الرافدين ترتيب الدول في أقلها فساداً. وبعد كل ذلك يبقى السؤال هل هناك بصيص أمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟


نعتقد أن هناك بعض المعطيات التي تجعلنا نعيد النظر مرة أخرى في هذا الواقع، وأهمها أن هناك إرادة شعبية صمتت لفترة طويلة ولكنها خلال السنوات الأخيرة بدأت تعبر عن نفسها من خلال الاحتجاجات التي شهدتها كبريات المدن العراقية والتي تريد استعادة الدولة. هذه الاحتجاجات تترك أثرها وإن كان ببطء ولكن برسوخ في الحياة السياسية العراقية. أما المعطى الآخر فهو الاحتضان العربي والذي بدأته المملكة العربية السعودية التي استقبلت كثيراً من زعماء القوى السياسية العراقية وتريد كما الشعب العراقي الوصول للاستقرار ورفاه الشعب العراقي، ثم توالى الاهتمام العربي حتى جرى الاتفاق الأخير بين الأردن والعراق ومصر. ولا ننسى الحوار الذي يجري بين المملكة وإيران والذي إذا ما وصل إلى مبتغاه فإن العراق سوف يكون إحدى ساحات التأثر بشكل إيجابي.

إنه بصيص أمل ليس كبيراً، ولكننا محكومون بالأمل كما يقول سعد الله ونوس.