-A +A
عبده خال
دعونا نتشمَّل برداء المؤامرة قليلاً؛ لكي نتفهم (انسحاب) أمريكا من أفغانستان، والرداء الذي أقصده البث الإعلامي المهول بأن أمريكا انهزمت شر هزيمة على مر التاريخ تفوق انسحابها من فيتنام، أعتقد أن أمريكا تقف خلف هذا الادعاء، فهي في عُرف الأمثال يمكن وصف خروجها من أفغانستان، بالمثل المحلي (الذيب لا يركض عبثاً)، خلف انسحابها غنيمة تفوق تموضعها في أفغانستان، والسياسة تيار متدفق له منابع عديدة، والدول الكبرى لا ترتهن لمنبع واحد، وسبق أن كتب الكتاب منذ وقت مبكر بأن مصالح أمريكا سوف تتغير لكي تظل دولة قوية، والقوي بحاجة إلى عنصر استفزاز ليظل في حالة إعداد واستعداد لمواجهة الأخطار الراهنة أو المتوقعة.

وإذا كان العدو الذي اختارته أمريكا منذ قيام الثورة البلشفية، هو الاتحاد السوفيتي ظلت معه في حرب دائمة (ساخنة- باردة) إلى أن سقط وتقطعت دوله إلى دويلات، ولكي تظل قوية اختارت الإسلام الحركي عدواً لها، الغريب أنها هي التي كانت تفكر بدلاً عنه وتمنحه القوة الوهمية لكي يأتمر بأمرها، وفي نفس الوقت إيهام العالم أنها عدوة للإسلام الحركي، وقد استفادت من تحريض هذه القوة الإسلامية حين وجهتها لمحاربة الاتحاد السوفيتي، وكانت أحد الأسباب في سقوط ذلك الاتحاد، وقبلها صنعت حضانة لتربية كل الحركات الإسلامية الجهادية (القاعدة- داعش)، ولأن العدو القادم هو الصين لقد كانت الإشارات بنقل المواجهة من الشرق الأوسط (بعد قبول إسرائيل) إلى مكان متقدم ليكون في حلق الصين، ولَم تنسَ أن لها مخلفات من جيوش الإسلام الحركي، كان عليها أن لا تخسر هذه الأذرع، بل بالإمكان استخدامها في حرب تالية، فسقوط دولة كبرى (الاتحاد السوفيتي) في مجابهة الجهاديين يمكن إعادتها أمام الصين خاصة أن هناك مسلمين صينيين (الإيغور) في عداء مع المركز السلطوي في الصين، ومع قيام إمارة إسلامية تتحد مع (الإيغور) لكي تنشب في حلق الصين وتفوت عليها إحياء مشروع (طريق الحرير)، ويعلم المنشغلون في السياسة أن ثمة حرباً شعواء بين الصين وأمريكا، وإن لم تتحور إلى حرب عسكرية.


مما يقال إن أمريكا لم تنسحب من أفغانستان (وما حدث ما هو إلا حركة تكتيكية) بعد الاتفاق مع حركة طالبان بالاعتراف بها وتزويدها بالدعم والمال، نظير البقاء تحت الأمر.

وكنت قد سألت سابقاً: لماذا يتم استخدام ملعب أفغانستان مرة أخرى، كونه ملعباً مستهلكاً، إلا أن الحرب الاقتصادية جعلت أمريكا بحاجة إلى طالبان لكي تكون خنجراً في خاصرة الصين، فالصين لديها مشروع (الحزام والطريق) خطان تجاريان (بري وبحري) يتفرع لأنحاء القارات، وهو مشروع اقتصادي سوف يحول العالم أجمع إلى سوق لمنتجات الصين، والخطة التي لجأت لها أمريكا إرجاء (الابن الضال) طالبان لكي تكون حضانة لاستجلاب القوى الجهادية، وإحداث تواصل مع قوى الإسلام المناوئة للصين وهي قوة إسلامية صينية (الإيغور) لجمع كل الجهاديين من أجل الاحتراب مع الصين وتعطيل مشروع طريق الحرير.

فعلاً لم تنسحب أمريكا من أفغانستان، وإنما هو تجهيز حطب لنارٍ سوف تحرق كل شاب لا يستوعب مفاهيم الجهاد.