-A +A
رامي الخليفة العلي
في شهادة له أمام محكمة مصرية تحاكم مجموعة إرهابية ادعت بأنها تأثرت بأفكاره، تحدث الشيخ محمد حسان عن رؤاه وأفكاره في قضايا متعددة ومنها جماعة الإخوان المسلمين، حيث أشار إلى أخطاء وخطايا الجماعة الإرهابية حتى وإن جاء ذلك بلغة مخففة. حسان كان واضحاً عندما أعلن بأنه كان مؤيداً للجماعة قبيل وأثناء وصولها للحكم في العام 2012. إلا أنه اعتبر أن الجماعة أخطأت عندما تجاوزت ما هو دعوي إلى ما هو سياسي، وأن الجماعة كان عليها الاقتداء بالحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عندما تنازل عن الحكم لصالح معاوية بن أبي سفيان ليجنب الأمة الصراع والشقاق، فكان ما سمي في التاريخ الإسلامي عام الجماعة. بل إن الشيخ محمد حسان ذهب بعيداً لكي يعتبر أن أحد أهم رموز الإخوان وهو سيد قطب هو الذي أسس الجماعات الإرهابية التي نشأت في ما بعد. وسيد قطب، بالرغم من محاولة بعض رموز الإخوان النأي بأنفسهم عنه أو محاولة إيجاد تبرير سطحي وسخيف وهو القول بأنه أديب وليس مفكراً سياسياً. فالأدب ليس مبرراً لتأسيس أفكار متطرفة والدعوة إلى تنظيمات متطرفة أو تكفير المجتمع برمته تحت يافطة (جاهلية القرن العشرين). على كل حال فإن الشيخ حسان يرى أن الجماعة فشلت في الانتقال من فقه الجماعة إلى فقه الدولة، واعتبر أن هذا مأزق الجماعة. بدا هذا التبرير الأخير حالة ضبابية وغائمة وتحتمل الكثير من التأويلات والتحليلات، وبالطبع فإن المحكمة ليست هي الميدان المناسب لذلك. السؤال، ماذا لو انتقلت الجماعة لفقه الدولة هل يمكن أن تنجح في هدفها السياسي وهو السيطرة على الحكم؟ بل أكثر من ذلك، هل تستطيع الجماعة التخلي عن طابعها السياسي والاكتفاء بالجانب الدعوي؟

نعتقد أن ما ذكره الشيخ محمد حسان يستبطن رغبة في إصلاح الجماعة من خلال بعض التغييرات في البنية الأيديولوجية، والفصل، كما حاولت ابنة الجماعة الصغرى (حركة النهضة) أن تفعله عبر مؤتمرها الأخير، بين السياسي والدعوي، ولكن هذا الفصل شكلي وليس حقيقياً. وكذلك الرغبة في نشاط فكري وديني فقهي من أجل تغيير التصورات حول الدولة وطريقة حكمها. وكأن المسألة نظرية وهذا بكل تأكيد غير دقيق ومجاف للواقع.


أزمة جماعة الإخوان المسلمين عميقة وبنوية. ابتداء من المنطق الذي يقف وراء فكرها ورؤيتها للواقع. فهي إعادة اجترار لتجربة أوروبا في القرون الوسطى عندما كانت الدولة هي ظل الله على الأرض ويجب أن تحكم بالكتاب المقدس ولكن من يفسر الكتاب المقدس هي طبقة الكهنوت وبالتالي هم من يحكمون أو يساندون من يحكم. وكذلك الجماعة تريد دولة (مسلمة) ولكن ليس أي إسلام بل هو فهم الجماعة للإسلام حتى لو كان فهماً سطحياً يصب في خدمة رجالاتها. الجماعة تريد احتكار الإسلام. والأزمة الأخرى في البنية التنظيمية التي تنحو منحى الحركات الباطنية السرية، وهذه تعود إلى قرون مضت مع إخوان الصفا أو غيرها من الطوائف الباطنية. ثم العنف الذي يظهر في اللحظات الحرجة التي تمر بها الجماعة الإرهابية. لهذه الأسباب وغيرها كثير بما لا يتسع المقام لذكره، الجماعة غير قابلة للإصلاح ولا بديل سوى بحلها وطي صفحتها وإزالتها عن كاهل الأمة والمجتمع والدول العربية.