-A +A
محمد مفتي
ها هي إيران تكشف عن وجهها الذي تسعى الدول الغربية لغض البصر عنه، فمن الواضح أن إيران لن يهدأ لها بال ما لم تشعل العالم بأكمله أو يتم الرضوخ لها تماماً كما تريد، وهي تريد أن تكون لها اليد العليا والكلمة الفصل حتى في ما يتعلق بالملاحة في الخليج العربي، وهي لا ترى أي غضاضة في الانقضاض على البواخر والناقلات التجارية السلمية التي تمر بالقرب من سواحلها وحتى خارج مياهها الإقليمية، وخطفها بل وقتل العاملين بها وسحبها نحو حدودها كما حدث قبل ذلك في محاولات سابقة، بل إنها قررت قلب الطاولة على الجميع متحدية المجتمع الدولي بأكمله، وزاعمة أن العالم هو من يتآمر عليها بل ومن يعد العدة لمهاجمتها!

عندما بدأت إيران تغلغلها في اليمن متعمدة تهديد المملكة، لم تكترث الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كثيراً بهذا التهديد الذي عانت منه المملكة ولازالت، ولم يكتفوا بهذا التجاهل بل صوبوا سهام نقدهم لها مدعين أنها تهاجم اليمن بدون مبرر، ولا يخفى على الجميع تبني المجتمع الدولي منهجاً مزدوجاً عند تعامله مع قضايا من هذا النوع، فطالما لم يقترب التهديد من مصالح الدول العظمى الخاصة فإنها تتصرف باستهتار ولا مبالاة إلى أن تكتمل الجريمة وتضيع الحقوق، وفي الوقت نفسه نجدها تتخذ قرارات سريعة جداً وحاسمة للغاية إن مست الأحداث أياً من مصالحها بأي صورة من قريب أو حتى من بعيد.


لم يثر اتخاذ إيران من اليمن ومن مليشيات الحوثي لتهديد أمن واستقرار المملكة شهية الدول الغربية، والتي لم تجد في سلوكيات الحوثيين المدفوعة بالمد الإيراني ما يدفعها لتأييد المملكة في سعيها لاستئصال شأفة المد الحوثي قبل استفحاله، وقبل أن يتحول لتهديد حقيقي للمجتمع الدولي بأكمله وليس للمملكة فحسب، بل حتى لم يدفعها لوقف هجوم نواب مجلس الشيوخ الأمريكي وأعضاء المؤسسات السياسية بالاتحاد الأوروبي ضد المملكة، مدعين أن تدخل المملكة في اليمن هو أمر غير مشروع، على الرغم من أن هذا التدخل تحديداً نتج عن مطالبات رسمية من حكومة اليمن الشرعية ومجالسها السيادية لإنقاذ اليمن من براثن الحوثيين، ونظراً لأن اليمن يمثل العمق الإستراتيجي للحدود الجنوبية للمملكة.

لعله من الصعوبة بمكان إحصاء عدد الصواريخ الإيرانية التي انهالت على المدن السعودية وعلى مدنييها الأبرياء جراء القصف الحوثي، والتي أضحت تهديداً دائماً لجميع سكان المملكة، بل والتي وصلت حتى قرب الأماكن المقدسة، والتي لولا فضل الله ثم قوة الدفاعات العسكرية السعودية والاستعداد الأمني الحاسم لصد هذا العدوان الآثم والغشيم لوقعت المملكة في مرمى النيران، ولولا حكمة وحزم قيادتها لانجرت لمستنقع حرب لا تبقي ولا تذر، ولكنها الفطنة في القيادة والقدرة على معالجة الأمور بسياسة ودبلوماسية في آن واحد.

كل هذه التهديدات والأزمات مرت مرور الكرام على القوى العظمى التي لا تأبه إلا لمصالحها الخاصة، والتي تركت كل هذا الإجرام الإيراني بحق المملكة جانباً وانبرت تدافع عن حقوق الإنسان اليمني الذي لم يسبق لها أن استمعت له يوماً ما، ولكن في المقابل عندما هددت بعض المليشيات الموالية لطهران القوات الأمريكية في العراق -والتي غزتها دون إذن من حكومتها الشرعية- التي ما فتئت تطالبها بالانسحاب ومغادرة التراب العراقي، لم تتردد الولايات المتحدة بضرب تلك المليشيات ودكها، وكأن المصالح الأمريكية حول العالم مقدسة ويهون كل ما سواها.

من المؤكد أننا قيادة وشعباً ناضجون بما يكفي لأن نفهم أن السياسة تتعلق بالمصالح أولاً وأخيراً، وانطلاقاً من هذا المفهوم تسعى المملكة لحماية مصالحها دون المساس بحقوق الشعب اليمني الشقيق، ولو عدنا قليلاً للوراء لأيام قليلة مضت، منذ أن تم الإعلان عن الاعتداء على ناقلة نفط في خليج عمان، والتي تديرها شركة إسرائيلية دون تحديد الجاني بصورة مؤكدة، سارعت الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة المتحدة باتهام إيران قبل أن يتضح الفاعل الحقيقي بعد، وانطلقت حرب التصريحات الساخنة والتهديد والوعيد لإيران كي تتوقف عن تهديد شرايين التجارة العالمية، وخرجت التصريحات الواحدة تلو الأخرى يميناً ويساراً ملوّحة بالإجراءات الواجب اتخاذها لإيقاف التهور الإيراني، فأي وقاحة تتميز بها تلك الدول التي لا تراعي إلا مصالحها ومصالح شعبها، في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن مصالح الدول الأخرى في المنطقة.

من المؤكد أنه لا يسعنا سوى التعبير عن سعادتنا إزاء أي قرار دولي يتم اتخاذه لإيقاف الإرهاب الإيراني الجبان العابر للحدود، ولكن في الوقت نفسه لا يسعنا سوى الإشادة بموقف قيادتنا الحكيم الاستباقي لتطويق التهديد الإيراني لحدود المملكة، وعلى الموقف الحازم الذي تجلى في سعيها لحماية أمن المملكة واستقرارها دون الالتفات لنفاق المجتمع الدولي الذي لايكترث إلا بمصالحه الشخصية، ولا يبالي إلا عندما تتم مهاجمة حدوده أو مصالحه، فالدول القوية لا تنتظر الدعم الخارجي طالما هي على حق، ولطالما كانت المملكة دوماً على حق، فهي الدولة التي يشهد لها التاريخ بأنها لم تطمع ولم تسع يوماً للافتئات على حق أي دولة أخرى، ولم تهدد يوماً السلم العالمي أو كانت طرفاً يمكن أن يتسبب في صنع أي أزمة من أي نوع لأي طرف، فالمملكة كانت ولا زالت تتصرف بما يتلاءم مع وزنها السياسي وثقلها الاقتصادي ومكانتها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط.