-A +A
صدقة يحيى فاضل
يجمع كثير من علماء السياسة الأمريكيين، وغيرهم، على أن فهم ما يجري الآن من أحداث، وتطورات سياسية دولية كبرى في أي منطقة نامية بالعالم، فهم سليم، يتطلب فهم أربع نظريات ومفاهيم سياسية أساسية، هي: النظام العالمي السائد، سياسة الأقطاب المهيمنة نحو المنطقة المعنية، أنواع الحكومات، نظرية الاستعمار الجديد. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، يضيفون: الحركة الصهيونية، وضرورة فهم أهدافها ووسائلها، ودورها. ونتطرق اليوم، وباختصار، لـلتذكير بدور الصهيونية في ما يجري بالمنطقة العربية من أحداث جلائل.

****


لا يكتفي الصهاينة باغتصاب فلسطين، والتنكيل بشعبها، ومواصلة السياسات العدوانية والتوسعية تجاه الأمة العربية، التي ابتليت بعدوانهم وعربدتهم في عقر دارها، ولكنهم يكيدون لهذه الأمة على مدار الساعة... ويعملون للإضرار بها في كل المجالات والمحافل والساحات، في طول العالم وعرضه. وهم يتدخلون في شؤونها الداخلية، مباشرة وغير مباشرة، ولا يستكينون لحظة في تآمرهم ضدها. فما إن يفرغوا من عدوان حتى يبدأوا آخر. إنهم يعملون لإيذاء هذه الأمة على كل الجبهات. هناك سؤال ملح، نرى طرحه هنا على الصهاينة العرب: أليست الصهيونية خلف معظم مآسي وكوارث وصراعات المنطقة؟! ألم تثبت إسرائيل مرارا أنها ترفض السلام الحقيقي، وإن طالبت به تظاهرا، وذرا للرماد في العيون، وبشروطها المجحفة؟! كيف يراهن البعض على إسرائيل، من أجل التنمية والسلام، وهي إحدى مسببات هذا التخلف والاضطراب؟!

لا يمكن تفسير موقف الصهاينة العرب العجيب هذا، إلا لكونهم يكرهون أمتهم، ويحقدون عليها، ويمالئون ألد أعدائها، نكاية بها. فموقفهم لا تبرره إلا الكراهية. إذ هم أبعد ما يكون عن «حرية الرأي».

****

لقد أصبحت المنطقة العربية، بلا منازع، أكثر مناطق العالم اضطرابا وقلاقل، وعدم استقرار. ويرد ذلك لمسببات ذاتية، ومسببات خارجية، لعل أهمها التوجه الصهيوني - الاستعماري ضد الأمة العربية. ولا نبالغ إن قلنا إن أصابع الصهيونية تساهم في حدوث ما حصل ويحصل بالمنطقة من صراعات وحروب وكوارث لا تنتهي. وهذه الأصابع ما زالت تقف خلف دفع المنطقة تجاه كوارث جديدة. صحيح، أن هناك نظما سياسية بالمنطقة تتخذ سياسات عدوانية وتوسعية سافرة، في مقدمتها النظام الإيراني الحالي، الذي بدأ منذ العام 1979، في اتخاذ سياسات توسعية عدوانية، هادفة لتكوين منطقة نفوذ إيرانية، عرفت بـ«الهلال الشيعي»، تمتد من أفغانستان شرقا، وحتى شرق البحر الأبيض المتوسط غربا. وذلك على حساب حقوق وسيادة دول الجوار العربية.

ولكن كل ذلك يجب ألا يحجب عن الأعين الدور الهدام الذى تلعبه إسرائيل، العدو الألد، في إشعال معظم حرائق المنطقة، ودفع القوى الكبرى لعمل ما تريد، وتنفيذ أهدافها المدمرة. إذ تعمل الحركة الصهيونية، باستماتة - وبالتعاون مع القوى الاستعمارية - على تحقيق هدفها الأكبر، ألا وهو: إقامة دولة إسرائيل، كقوة إقليمية عظمى... تهيمن على المنطقة العربية، ومن ثم تشارك في الهيمنة الكونية الشاملة، جنبا إلى جنب مع ما قد يكون هناك من دول عظمى وكبرى. وهذه الهيمنة لحسابها وحساب حلفائها. وما نذكره هنا مؤيد بوثائق، ودلائل، غربية وإسرائيلية. ويثبته الواقع الفعلي، والسياسات المفعلة الملموسة.

****

ولبلوغ غايتها الجهنمية، لا بد من تهميش وإضعاف الضحية الأساسية للمشروع الصهيوني الحالي والمتوقع (العرب) عبر: التخطيط والعمل على «تقسيم» أغلب الدول العربية إلى دول صغرى، ودويلات... تسهل السيطرة عليها، ومصادرة إرادتها، ومن ثم التحكم في المنطقة، وفى مقدراتها. فلتحقيق هدف الإضعاف عبر «التقسيم»، عملت الصهيونية - متجسدة في الكيان الصهيوني ومؤيديه في مفاصل دوائر النفوذ العالمي - على إثارة النعرات المذهبية والطائفية والقبلية في أغلب بلاد المنطقة... كما ساهمت في مفاقمة الخلافات العقائدية والمصلحية في ما بين أغلب شعوب المنطقة. الأمر الذي تسبب في اندلاع صراعات وحروب دامية ومدمرة، كما نرى الآن... قد تسفر عن تمزيق معظم البلاد العربية، وتحولها إلى كيانات مهترئة مستضعفة، تخضع للنفوذ الإسرائيلي الممتد... بعد أن أعدت كل العدة والعتاد اللازمين لممارسة هذه الهيمنة.

فإسرائيل تمتلك الآن ترسانة هائلة من الأسلحة التقليدية وفوق التقليدية، وأسلحة الدمار الشامل، الجاهزة للاستخدام ضد المدن والمجمعات السكنية العربية وغيرها. كما أصبحت تملك أغلب وسائل السيطرة الشاملة، وتتنمر بالدعم الغربي، ولكنها ستصبح نمرا من خشب، لو نهض العرب فعلا، وكونوا جبهة عربية مضادة، ضد ألد عدو مشترك، بالنسبة لهم جميعا. وليراجع نفسه من يظن أن هدف إسرائيل هو فلسطين، وحسب.

ولقد نصبت إسرائيل «فخا» محكما لضرب الطوائف والمذاهب بالمنطقة ببعضها، ودق أسفين في ما بينها.... وقد وقع في هذا الفخ بالفعل جماعات وجماعات... وكأنهم يتجاوبون مع رغبات عدوهم الحاقد الأكبر... فيسهلون له تحقيق مآربه، ولو بدمائهم وإمكانات بلادهم. والمتوقع أن تتحول هذه الخلافات والصراعات الخطيرة إلى حروب شاملة قادمة، لا تبقي ولا تذر، ضحيتها الإنسان العربي والمسلم، ما لم يتم تدارك الأمر، وقبل تغلغل الصهاينة وتمكنهم، وفوات الأوان. ولهذا الحديث بقية.