-A +A
أريج الجهني
«إذا هويتك لن تستطيع أن تصمد مع التنوع الكبير في العالم معناه أن هويتك ضعيفة، ويجب أن نستغني عنها. وإذا هويتك قوية وأصيلة تستطيع أن تنميها وتطورها وتعدل السلبيات التي فيها وتحفز الإيجابيات، معناه أنك حافظت على هويتك وقويتها، بدليل اليوم لبسنا في المملكة العربية السعودية وعاداتنا العريقة وتقاليدنا وإرثنا الثقافي والتاريخي، وقبل كل ذلك إرثنا الإسلامي، يشكل جزءاً رئيسياً من هويتنا نطوره مع تطور الزمان ونستمر في تعزيزه ليكون أحد عناصر تشكيل العالم وأحد عناصر الأشكال الموجودة. وأعتقد انه هويتنا قوية للغاية، نفتخر فيها، وهي جزء رئيسي من صنعي أنا وأنت وكل مواطن سعودي، وجزء رئيسي من الحراك اللي صار بالمملكة العربية السعودية جاء بسبب هويتنا السعودية المبنية على الهوية الإسلامية والعربية وإرثنا الثقافي والتاريخي».

هكذا أجاب سيدي سمو ولي العهد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- عن سؤال «قلق الهوية» في اللقاء الخاص الذي عرض في ذكرى مرور خمس سنوات لتأسيس الرؤية المباركة. وأحببت كتابة الإجابة نصّاً لتظل محفوظة للأجيال القادمة، بل ليتها تدرس في التعليم، فهذا هو المفهوم العلمي الرصين للهوية بعيداً عن الاختطاف من المؤدلجين أو التهويم من المنتفعين، نعم مبحث الهوية يكاد يكون الأخطر والأكثر صعوبة، وأهم بعدين علميين في حديث سمو ولي العهد حفظه الله هما:


الأول: أن الهوية كائن يعيش ويموت ويتطور، بمعنى أن هذا التصور يخالف التصورات المعتادة والأفكار المغلوطة حول هذا المفهوم، التي عادة ما تجعل الهوية كياناً جامداً صلداً لا يتطور.

البعد الثاني: تعدد الهويات وعالميتها، وهذا بحد ذاته شجاعة معرفية تحسب لسموه، حيث أشار إلى أن الهوية السعودية مبنية على هويات عدة، ولأسهِّل للقارئ المعنى فإن البشر عادة يخلقون ومعهم ثلاث هويات أساسية: الهوية الشخصية (سماتك وأطباعك وأفكارك)، الهوية الاجتماعية (دينك وثقافتك وأعرافك)، الهوية المهنية (حرفتك وصنعتك التي تتقنها وتتفرد بها). يزيد العلماء هويات أخرى أيضا كالهوية القيادية (كيف ترى نفسك كقائد)، وهي مبحث مهم وريادي، والهوية كما أكرر دائماً «هي جواب سؤال: من أنا؟».

اليوم ونحن ندخل العام السادس بهذه الشجاعة المعرفية التي أسس لها سموه، ونتابع برامج «المواطنة الرقمية» أجد أنه من المهم تقويم هذه البرامج، التي لم تلامس سقف التوقعات بعد، ولا أرى لها أي أثر يذكر، بل تفاجأت من برامج جهة تدريبية تسوّق لهذا المفهوم وحين الاطلاع كمتخصصة في الهوية، وجدت اللغط والقفز مباشرة لبرنامج المواطنة دون المرور بالهوية سواء المحلية أو العالمية، والمواطن الرقمي ببساطة: هو المواطن الواعي بثلاث ركائز أساسية: تعلم، احترم، احم. المواطنة الرقمية أكثر من امتلاك بريد إلكتروني أو حتى موقع أو تواجد على التطبيقات الاجتماعية، هي الوعي العميق بالوطنية واحترام قيم المواطنة وألا تجعل ما تنشر أو تتداول دليلاً أو سلاحاً في أيدي أعداء وطنك.

قد يبدو أنه من السهل الحديث عن «الوطنية»، لكن الحقيقة أن صناعة مواطن رقمي، «أحمد أو نوره» أو أيّاً كان هو مشروع وطني ممتد، ومشاركة المواطنين في بدايته وعملياته ومخرجاته أمر مهم، فلا أتذكر أنني رأيت استبياناً يخص جانب الهوية أو المواطنة الرقمية. كل ما أراه بصراحة مجرد تغريدات واستعراض لا أفهمه. وحتى تحين رؤية حملات توعوية مناسبة أوجّه للقارئ خطوات بسيطة وعملية لإثبات وجوده في الفضاء الرقمي: أسس لسمعتك، احم معلوماتك الخاصة، تواصل بهدف، لا تجعل عواطفك معلنة، اهتم بالبريد الإلكتروني وموقعك الشخصي، سوق لنفسك، ابن شبكة عمل داعمة، حافظ على صورة وطنك، فالكثير من المتربصين.

أخيراً، قد تربح الحرب دون أن تطلق رصاصة واحدة، وقد تنهزم في الحب دون خيانة!.