-A +A
منى المالكي
خصصت منظمة اليونسكو يوماً دولياً للإذاعة كان أول احتفال به في شهر فبراير 2012م بوصفها إحدى الأدوات الإعلامية الأسهل انتشاراً والأكثر قوة في توثيق التواصل ونقل المعلومة بين أفراد المجتمع وتعزيز حرية التعبير، فالإذاعة لم تفقد وهجها منذ التبشير بموتها عند انتشار التلفاز وإلى اليوم وفي عصر التواصل الاجتماعي وهي تحظى بنسب حضور عالية جدا بل وتتنافس بعض الإذاعات العالمية في أن يكون خطابات رؤسائها من خلالها.

فالإذاعة تهم شرائح كبيرة في المجتمع، فقائد السيارة مثلا تكون الإذاعة رفيقة رحلته وهذا ما يعطيها قوة دعم لحضورها، أعلم أن هناك وسائل ترفيه متعددة ومختلفة قد تحل محل الإذاعة ولكن لا نختلف في الحضور المهم للإذاعة لدى شريحة كبيرة من المجتمع، حيث تعد الوسيلة الأكثر انتشارا بعد وسائل التواصل الاجتماعي، والدليل على ذلك اهتمام المؤسسات الإعلامية العالمية في ترتيب خرائطها الإعلامية ونلاحظ الحضور القوي للإذاعة في ذلك الترتيب.


انتشرت مؤخرا عبارة شهيرة في مواقع التواصل الاجتماعي وأعدها من أجمل العبارات وتحمل عمقا فلسفيا جميلا بأسلوب هادئ مقنع، وهي «لا تقتل المتعة يا مسلم»! تذكرت هذه العبارة وأنا في طريقي بالسيارة مستمعة للإذاعة فإذا البرنامج «الصدمة» كما سمعته ووصفته، فإذا المذيع يحاور متصلة بلهجة ركيكة وأسلوب سطحي وسخرية مبتذلة! فإن سلمنا بالحديث باللهجة مثلا فلابد أن تكون اللهجة بيضاء، أقصد لهجة راقية خالية من ذلك التسطيح المفجع، وكأننا نقدم أنفسنا للآخرين بهذه اللغة التي لا تقود إلى شيء سوى الغرق أكثر في محيط التفاهة الذي يحيط بنا من كل اتجاه.

لا يمكن القبول بهذا المستوى من إذاعاتنا تحت أي شعار من شعارات المرحلة الحالية، مثلاً عصر الطيبين لا يليق بنا الآن، ومخاطبة الشباب بلغتهم إلى غير ذلك من المبررات التي ينفيها الواقع، فالإذاعة وسيلة مهمة لتعزيز قيم ومبادئ مهمة وغرس انتماءات وولاءات فهي سلاح خطير في أي اتجاه نريد استخدامها، مثلها مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وإدارتها لابد أن تكون بوعي وحرفية عالية، فيكفينا ما نشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي عندما أصبحت الشعبوية قانونا يحكم الجميع، والكل بلا استثناء يستطيع أن يدير وسيلته الإعلامية كيف يشاء ونتيجة لذلك أصبح العالم يصحو كل يوم على كارثة اجتماعية أو يتنقل في موجات من هزات أخلاقية عنيفة لا يستطيع كبحها غير القانون والنظام وهذا ما يشكل ضغطاً وعبئاَ على الحكومات.

تقول المديرة العامة السابقة لليونسكو إيرينا بوكوفا «في هذا العالم الذي يتغير علينا بسرعة علينا أن نستفيد من قوة الإذاعة، فالإذاعة مهمة بشكل خاص للوصول إلى المجتمعات المحلية والجماعات المهمشة النائية وتعرض الإذاعة على هذه الجماعات منصات الأخبار لتعزيز الحوار وتبادل القيم المعرفية المختلفة»، وهنا تكمن قوة الإذاعة التي لا تقل عن وسائل التواصل الاجتماعي، بشرط حسن الاختيار للعاملين وتميز إداراتها.