-A +A
منى المالكي
يقول الدكتور بينس ناني، بروفيسور الفلسفة في جامعة أنتويرب، في مقال بعنوان «اعرف ذاتك» «إن من أعمق المفاهيم الفلسفية إلى أسخف كتب تطوير الذات، نجد مقولة لا يُستهان بها حاضرة على الدوام، إنها مقولة «اعرف ذاتك!»، وتعود جذور هذه المقولة المتداولة بين الفلاسفة منذ عهد سقراط وحتى يومنا هذا إلى عهد مصر القديمة حيث عُثر عليها منحوتة في فناء معبد أبولو المقدَّس في دلفي. ومنذ ذلك الحين كان عند غالبية الفلاسفة شيء يقولونه حيالها.

انتشرت مقولة «اعرف ذاتك» كثيرا، ولكن دعونا نسأل أنفسنا ماذا بعد هذا العمق التاريخي للعبارة ومئات الفلاسفة الذين نادوا بها وأطباء التحليل النفسي وإنجازاتهم وصولا إلى دورات تطوير الذات «وأخرج الأسد الذي بداخلك» هل نستطيع القول إننا على معرفة بذواتنا!


والمفارقة العجيبة هي أن عنوان مقال الدكتور بينيس ناني هو «اعرف ذاتك، نصيحة قد تهلكك!» ويبرر ذلك بقوله «تشكلُ معرفةُ الذاتِ عائقاً أمام الاعتراف والاستسلام للتغييرات التي قد تطرأ عليها بشكلٍ مستمر؛ لأن خياراتك ستكون متاحةً طبقاً لرغباتك حينها، لكن ما إن تترسخ هذه الخيارات في صورتك عن ذاتك، ستتقيَّدُ حريتك كثيراً»

ويضرب مثلا كيف أن معرفة الذات عائق أمام التغييرات في حياتنا فيقول «لو عرفت أنك هذا الشخص أو ذاك. فقد تختار أن تُفضِّلَ شربَ إسبريسو، أو أن تكون متبرعاً للجمعياتِ الخيرية، لكن ما إن تدخلْ هذه الاختيارات في تصورك عن ذاتك، يتقلص حيز تدخلك في مجريات أمورك. وأيُ تغييرٍ إما أن يكون ملاحظاً، أو يؤدي إلى نشوزٍ معرفي».

بينما نجد المنفلوطي على الضفة الأخرى يقرر أن من الذكاء أن تعرف أين تضع نفسك وتقدر قيمتها فيقول «حسبك من الذكاء أن تعرف مقدار نفسك» فمعرفة قدر نفسك ووضعها في المكان الذي يليق بها جزء من معرفتك لذاتك وتقديرك لها.

الدخول إلى مجاهل الذات مغامرة كبيرة لا ميزان للزمان في حساباتها، فلا اعتبار أن الشخص الذي بلغ التسعين عاماً يعرف عن نفسه أكثر من شاب يبلغ العشرين مثلا، فالمعرفة بالذات واحتياجاتها نقاط القوة والضعف والحدود الفاصلة بين الحاجة والرغبة هي صوت هامس لا يهتم له الكثير حتى يخفت ويبدأ في البحث عمن يعلق عليه أخطاءه واختياراته المتهورة ولا يلتفت ولو قليلا لداخله لذاته فيحاسب نفسه ولو مرة أنه أخطأ! لماذا يحدث هذا؟! الجواب ببساطة لأننا لم نعرف ذواتنا، لأن الهلاك في هذه المعرفة!

وكأننا وببساطة نعيد تكرار ما قاله «أندريه جيد» في عملِه الأدبي أوراق الخريف (Autumn Leaves (1950)) وقد أشار إلى مثلِ هذا المعنى في قوله «لن تصبحَ اليرقةُ التي تسعى إلى البحث عن ذاتها يوماً فراشة»!! ‏