-A +A
طلال صالح بنان
بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي، جرت مراسيم تنصيب الرئيس الأمريكي السادس والأربعين. الأجواء المتوترة والإجراءات الأمنية المشددة، نزعت من الحدث صفته الاحتفالية التقليدية، ليتحول إلى مجرد طقس دستوري جامد وثقيل، الكل يتمنى أن ينتهي على خير وسلام.

لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، لم يكن انتقال السلطة من رئاسة منتهية عهدتها الدستورية، إلى ولاية منتخبة جديدة، لا سلساً ولا سلمياً، في بعض مراحل تطوره. النزاع حول نتيجة الانتخابات الرئاسية، التي جرت في الثالث من نوفمبر الماضي، ظل يسيطر على الوضع السياسي، مما جعل العالم يحبس أنفاسه، ما يقرب من شهرين.


منذ ليلة الانتخابات الأولى، بدأ فريق الرئيس يشكك في النتيجة ويزعم تزييفها وسرقتها من قبل الديمقراطيين. كل السبل والأقنية الدستورية والقضائية سلكتها الإدارة السابقة لتغيير نتيجة الانتخابات، ولم تفلح. حتى وصل الأمر: اللجوء إلى خيار العنف، في محاولة لمنع السلطة التشريعية، من المصادقة على نتيجة الانتخابات. اقتحمت جماعات موالية للرئيس السابق مبنى الكابيتول، يوم السادس من يناير الجاري، لمنع المشرعين بالقوة، المصادقة على نتيجة الانتخابات، مما أوقع خمسة قتلى.

الرئيس ترمب، ظل لآخر لحظة من ولايته متمسكاً بأنه الفائز بتلك الانتخابات، ورفض حضور تنصيب خليفته الجديد، وغادر واشنطن قبل إتمام مراسيم التنصيب. سلوكٌ لم يكن سابقة تاريخية، في حد ذاته، بل بالقطع له دلالاته السلبية على الممارسة الديمقراطية الأمريكية، وعلى وحدة الأمة.

انتهت مراسيم التنصيب، بسلام فرضته قوة من الجيش والحرس الوطني ورجال الأمن تجاوزت خمسا وعشرين ألف جندي، حولت واشنطن، لأول مرة في تاريخها، إلى مسرح قتال محتمل، كاد أن ينشب، في أي لحظة.

دخل الرئيس الجديد البيت الأبيض، بعد أن خضع لعملية تمشيط وتنظيف وتعقيم وطلاء استمرت لست ساعات، كلفت نصف مليون دولار. على كرسيه في المكتب البيضاوي أصدر الرئيس بايدن مراسيم رئاسية عاجلة لإيقاف سياسات عمل بها الرئيس السابق، تختص بمسائل وقضايا داخلية وخارجية، وكذا تسمية رموز إدارته الجديدة ليجري مصادقتها من الكونجرس، قبل إتمام تعييناتها.

تواجه الإدارة الجديدة تحديات سياسية ودستورية وأمنية، حتى لا يتكرر الاختبار القاسي الذي مرت به، في الثلاثة شهور الماضية. وكذا التعامل مع التركة الثقيلة، التي خلفتها الإدارة السابقة، خاصة مواجهة جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

لاشك أن للكونجرس ثأراً بايتاً مع الإدارة السابقة، شاءت الإدارة الجديدة المشاركة في تفعيله أم لا. من أولويات الإدارة الجديدة، في هذه المرحلة أن يركز الكونجرس على تشكيل الحكومة.. وتسهيل تمرير المراسيم الرئاسية، لخدمة أجندة البرنامج الانتخابي للرئيس الجديد.

إلا أن الكونجرس، يبدو أنه عاقدٌ العزم على محاكمة الرئيس ترمب... بل، أيضاً، الحكم بحرمانه سياسياً، من تقلد أي منصبٍ عام، بعد أن جرى عزله مرتين، أثناء حكمه، من قبل مجلس النواب.

سيؤخذُ وقتٌ طويلٌ من الإدارة الجديدة، حتى تتعافى من تبعات العنف، الذي رافق مخاض ولادتها المتعسرة.

talalbannan@icloud.com

كاتب سعودي