-A +A
أريج الجهني
هل كان يتصور العالم الكيمائي الأمريكي النمساوي الأصل كارل جيراسي وفريقه البحثي أن اختراعه لحبوب منع الحمل سيغير وجه الحياة البشرية البيولوجي والاجتماعي/ ‏الاقتصادي؟، وكيف تعاطت المجتمعات مع هذا الاختراع الهرموني الثقافي حينها، وكيف توصل النساء للرضوخ لهذه الحبوب وآثارها، وما موقف الرجل في العصر الحديث؟ بلا شك أن عملية الحمل ليست حدثاً بيولوجياً عابراً، بل اجتماع لكل مناشط الإنسانية ومشاعر وغرائز البشر، قبل أن أكتب المقال حاولت أن أجد أي أوراق أو قصاصات ثقافية تعالج فكرة هذه (الحبوب) كرؤية اجتماعية، والحقيقة لم أوفق في الحصول سوى على هرطقات منتديات (الحريم) وتفضيلاتهن الساذجة لنوع على الآخر، وقصصهن المضحكة المبكية حولها، حيث تفرط النساء في مجتمعنا بتناول هذه الحبوب دون توعية أو فقط لأن صديقتها «منيرة» نصحتها بها!.

عدت للبحث مجدداً، خاصة بعد أن شاهدت ورصدت تغريدات خلال الأسبوع الماضي، تحديداً هاشتاق (حبوب منع الحمل دون وصفة)، وكانت أغلب الردود عنيفة ومندفعة وترى أن الحصول على حبوب منع الحمل دون وصفة هو (حق) للمرأة، تأملت في الردود وتذكرت أن الموجة النسوية الأولى في أمريكا عام ١٩٦٠ ثارت (ضد) حبوب منع الحمل؟ باعتبارها تحيزاً ضد المرأة وحماية لصحة الرجل، أدركت أننا أمام فهم خطير ومقلق جداً لقضايا النسوية يستدعي التدخل العلمي وتوعية هذه الأرواح الشابة أن هذه الحبوب ليست حقاً!، وليست أيضا محل رفض! كيف؟.


في كل الأنظمة الصحية العالمية لا يتم منح حبوب منع الحمل دون وصفة طبية، نعم هذه معلومة وليست مجرد رأي، النظام الصحي البريطاني يمنع بيعها على الأرفف لكن يقدمها عبر المستوصفات المحلية وبشكل مجاني، والهدف هو المتابعة الطبية للمرأة، هنا يأتي الخلل الأخلاقي الأول والخطير، حيث اتصلت في يوم الجمعة وأنا أكتب هذا المقال على إحدى الصيدليات الكبرى للسؤال هل أستطيع الحصول على حبوب منع الحمل دون وصفة؟ فأجابت الموظفة: نعم وسنقوم بإرسالها لمنزلك إن أردتِ؟ تناقشت معها حول الأنواع! ثم أغلقت الهاتف، وهذا يبين أن الهاشتاق كاذب، لكن قادنا لثغرة صحية مهمة، وأنا على ثقة أن وزارة الصحة لديها الوعي الكافي لأن توقف هذا الأمر بالقانون.

في سياق آخر، نشرت صحيفة الإندبندت البريطانية في الأربعاء ١٢ يناير تقريراً صادماً عن جرائم الكنائس ضد النساء وقتل الأطفال، وعثروا على جثث أطفال تجاوزت الـ٨٠٠ جثة، التقرير غير مناسب لأصحاب القلوب الضعيفة، وناقش فكرة الإجهاض وتأثير وصمة العار المجتمعية التي قد تودي بحياة الإنسان، فقط ليرضى شخصاً آخر!. مهم لصناع القرار الصحي والاجتماعي التفكير ملياً في الجانب الأخلاقي الآخر في حبوب منع الحمل، حيث إن الجدل الذي أصاب الفتيات بالهلع والرعب ليس فكرة الوصفة بحد ذاتها، لكن بالأبعاد الاجتماعية والمخاوف، والأمر الذي يعيدنا لنقطة الصفر والسؤال عن (السجل الصحي الوطني) والموثق والذي يفترض أن يكون سرياً، ولا يمكن الاطلاع عليه إلا للجهات القضائية، والأهم أين (صحة المرأة) من خارطة التنفيذ!، لا أريد الحفلات والندوات والخزعبلات التي تمارسها بعض الجهات، أتحدث عن فحص الثدي وفحص الرحم الإلزامية لا الاختيارية والمترفة؟، تغييب السجل الصحي أمر خطير جداً، خمس سنوات في إنجلترا جعلتني أفهم أن رصد التاريخ الصحي لا يقل أهمية عن رصد التاريخ العلمي أو حتى برؤية أمنية بحتة التاريخ الإجرامي!.

النقاشات حول الإجهاض ووسائل منع الحمل وتبعاته الأخلاقية تحتاج أن يناط عنها حجاب الخجل والعار، نعم نحن نعيش في زمن مختلف جداً يفرض علينا الصراحة من جهة والصرامة من جهة أخرى، كأن تفهم الفتاة والشاب أن الحرية المطلقة كذبة كبيرة، وأن قتل حياة طفل جريمة إنسانية، وأن طلب المساعدة والسؤال والتحدث مع أهل العلم ضرورة، وأن تتحرك وزارة التعليم وتقر منهجاً علمياً للصف السادس يناقش هذه المخاوف والتحولات الجسدية مراعية المرحلة العمرية والنمو النفسي، الانعتاق من التطرف لا يقتضي أن ندخل في تطرف جديد!، وأكرر نحن ندخل في مرحلة تطرف جديدة في التشنج مع التعاطي مع قضايا المجتمع وأيضاً تقبل الاختلاف.

أخيراً، إن تجاهل اهتمامات الأجيال الشابة وقضاياهم للحفاظ على الهيبة والبرستيج لن يحل المشكلة، أعلم أن حديثي هنا قد يغضب الجميع سواء من يتوهمن أن هذه الحبوب مثلها مثل الحلويات! أو مع من يرفضون توعية الناس بالسلامة الصحية أو حتى مع الجهات المقصرة في رفع الوعي، لكن لنتذكر أن (المجتمع الحيوي) لن يصنعه فكر تقليدي ولا عقل جبان.

كونوا بخير وتفقدوا أحبتكم.

كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com