-A +A
عاصم عبدالفتاح
سألني أحد الزملاء عن رأيي في ما حدث بالانتخابات الأمريكية. أو إذا ما كنت أفضّل مرشحاً رئاسياً عن مواطنه الآخر؟ كان جوابي -الذي أعتقد أنه لم يرق لزميلنا- أني لا أولي اهتماماً كبيراً للأمور التي تكتنف قضايا السياسة والمعارك التي تدور في أروقتها ومنصاتها، والتي دائماً ما تُحدِث صخباً وإثارةً إعلامية أو ما يُعرف بالـ«Propaganda». انتقدني زميلي قائلاً: «يا رجل أنت مبتعث وهذا الموضوع مستحيل ما تهتم فيه».

حسناً دعوني أعترف أن العالم اليوم عبارة عن قرية مترابطة بشكل مخيف. الخطب الجلل الذي يحدث في الضاحية الشرقية، قد يدفع ثمنه الشخص المسالم الذي يقبعُ آمناً في سربه في الضاحية الغربية الأخرى من القرية. نعم إنني أشير بالكناية إلى أزمة كورونا كمثال. وكذلك الانتخابات قد طال أثرها العالم أجمع. ولكن يبدو أن زميلنا العزيز لم يفطن إلى المنهج الذي أعتبره منفذاً من الأمور التي تُحدث صخباً مزعجاً وضروباً من الشد والجذب المشتت لهدوء النفس وراحة البال.


يتحدث ستيفن كوفي صاحب كتاب «العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية» عن مفهوم دائرتي التأثير والاهتمام.

دائرة التأثير: هي النطاقات التي نستطيع ترك أثرٍ واضحٍ فيها كأنفسنا أولاً، والمقربين منا، والبيئات التي نحتك فيها بشكل مباشر (عمل، تطوع، وغيره).

أما دائرة الاهتمام: فهي الأمور التي يهتم بها الإنسان ولكن لا يملك من أمره شيئا في إضفاء أي تغيير عليها.

يعتقد كوفي أن الأشخاص الناجحين هم من يركزون جهدهم على دائرة التأثير، كتطوير أنفسهم والبيئات التي يعملون بها، لأنهم قادرون على تقديم إضافة ما في هذا النطاق. على عكس أصحاب الاهتمام، ممن يخوضون سهواً في أمور، ثم لا يرجعون منها إلا بخفي حنين.

أرى أن هذا المفهوم يروقني جداً في التعاطي مع الأحداث العالمية والقضايا السياسية أو بشكلٍ عام (الأمور التي لا أملك فيها حظاً ولا نصيباً) فرسالتي لنفسي هي أن أركز في بذل جهدي على الأمور التي من الممكن تغييرها وتحسينها. والابتعاد قدر الإمكان عن كل ما يسبب زعزعة للسلام والهدوء الداخلي. لست هنا أدّعي «الرواقية» أو المثالية، ولكن أحاول أن أشير إلى منهجٍ رائع قد ذُكِر سلفاً في القرآن الكريم (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم).

ومن باب الإنصاف أريد أن أوضح -حتى لا يساء فهمي- أن إعطاء نسبة قليلة من الاهتمام في بعض الأحداث الخارجية ليس سيئاً من باب مواكبة التغييرات ومجريات الأمور، ولكن يؤسفني أن يضيّع المرء وقته وجهده بشكلٍ مفرط في أمور لا ناقة له فيها ولا جمل.

ذات مرة قرأت تغريدة معبِّرة استوقفتني كثيراً للمحامية هيا الشمري تقول فيها «انشغالك في أن تكون النسخة الأفضل من نفسك هو أعظم ما يمكنك تقديمه لهذا العالم». دعونا نمارس رياضة الانشغال في تطوير النفس. إنها رياضة مجدية وصحية.

طالب سعودي مبتعث في أمريكا

Asimabdulfattah@