-A +A
محمد الساعد
تقول كتب السياسة ومراجعها المعتبرة في تعريفها للديموقراطية ما يلي:

الديموقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائم بالإجمال على التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة، ويعبر مفهوم النظام الديموقراطي عن شكل الحكم الذي تكون فيه السلطة العليا للشعب، حيث يمارس الشعب سلطته عن طريق مواطنين يقومون بتمثيل الشعب، يتم اختيارهم عن طريق نظام انتخابي، إذ إنّ الديموقراطية تعني مجموعة من الأفكار التي تدور حول الحرية، كما يوجد للديموقراطية نظامان رئيسيان هما: النظام التمثيلي والنظام المباشر، حيث يختلف النظام المباشر عن النظام التمثيلي بأنّه لا حاجة إلى مواطنين يقومون بتمثيل بقية الشعب في عملية اتخاذ القرارات العامة، وهذا النظام من الديموقراطية يحتاج مجموعة صغيرة من الناس، بينما يعتمد النظام التمثيلي على وجود مواطنين يقومون بتمثيل بقية الشعب والنيابة عنه في عملية اتخاذ القرارات العامة.


يا له من تنظير جميل ورسم بديع على الورق، لكن واقعه الذي أُخفي قسرا لعقود طويلة أطل بوجهه القبيح وكشف كيف أن الغربيين نجحوا في تسويق فكرة لم يحتملوها، وقتلوها اليوم لأنهم لم يعودوا يتحكمون في نتائجها.

الديموقراطية الغربية المزعومة هي في واقع الحال حكم قسري مختطف بحجة أن الكلمة للصندوق والسلطة للأغلبية، بينما تتقاسم الأحزاب المتنفذة في دول الغرب الحكم بينها، ثم يشيرون بأصابعهم الخبيثة لأنظمة الحكم في الشرق متهمين إياها بأنها غير ديموقراطية.

سنوات من الصراع بين التيارات والأحزاب السياسية في العالم الغربي أسفرت دون أدنى شك عن اغتيال ما يسمى بالديموقراطية وحرية الصحافة في شكلها الغربي التي لطالما تغنوا بها وتعالوا وتنمروا ثقافيا وحضاريا على بقية العالم باعتبارها سر نجاحهم وتفوقهم وطريقة رفاه مواطنيهم.

الديموقراطية التي أنتجوها جاءت على مقاسهم وللتصدير فقط، وهي التي أزعجونا بها وحاولوا إرغام الشرق عليها من خلال ما يسمى بالحرب المباشرة -الحرب على العراق- أو الفوضى الخلاقة أو الربيع العربي لتسويق الديموقراطية ومنتجاتها من أحزاب وتيارات، ونشر الحكم عبر صناديق الانتخابات بعدما حشدوا لإنجاحها المرتزقة ومنظمات التخابر ومنصات «السوشل» ودمروا في سبيلها عددا من الدول، اليوم يعتدون على ديموقراطيتهم بدم بارد بنفس سكاكينهم وخناجرهم التي لطالما هددوا بها سكان هذا الإقليم بل وحولوا جزءا كبيرا منه بين قتيل وجريح ومشرد في سوريا والعراق وليبيا.. إلخ.

سقطت قصة الديموقراطية في بلدانها الأم لأنها في نهاية الأمر تجربة بشرية في الحكم تحتمل الخطأ لا كما سوقوها بأنها صواب مطلق، ولأن تجارب الشعوب مختلفة ومتنوعة، ولأن عتاة اليسار الغربي لم يقبلوا التجارب الأخرى ولم يحاولوا الاقتراب منها أو فهمها، ولم يعترفوا بأن هناك طرقا أخرى ناجحة ومجربة مثل الحكم الملكي، الذي هو في نهاية الأمر عقد شرعي بين الحاكم والشعب، وأثبتت التجارب نجاحه في الغرب وفي الشرق.

لقد ثبت اليوم أن الديموقراطية ليست إلا وسيلة يتسلق من خلالها المنتفعون والمتاجرون والشعبويون بالجماهير من أجل الوصول للكرسي، ولهذا أصبحت وسيلة مفضلة لدى المنظمات والأحزاب الإرهابية، فبها يحكمون ومن خلالها يسيطرون -إيران وتركيا- مثالا، بينما الحكومات الملكية هي الأكثر استقرارا والأكثر قربا من حاجات ومشاعر مواطنيها، وعلى الرغم من حربهم عليها وتسليط مرتزقتهم ومتخابريهم إلا أنها صمدت بفضل الالتفاف الشعبي ولسبب جوهري آخر، هو أنها هضمت مسألة الحكم وطبقت العقد الشرعي بينها وبين شعوبها.

الإعلام الغربي الذي كان علبة مكياج الديموقراطية ولا تسير إلا وهو في حقيبتها الرطبة، وهو الذي مكنها أن تكون صبية تتغنج في سوق السياسة، هذا الإعلام سقط هو الآخر وكشف ليس عن وجهه بل عن توحشه ووقاحته، وأن السالكين في دروبه من الـ«سي إن إن» إلى النيويورك تايمز، وليس انتهاء بالواشنطن بوست وغيرها الكثير هي الأقذر والأسوأ حتى من السياسيين، وأن لا حرية رأي تهمهم ولا كلمة حق يسعون لنصرها، وكل شغلهم الشاغل موجه للسيطرة والهيمنة الثقافية على العالم وتسويق منتجاتهم اليسارية والليبرالية المتفسخة، وتلميع من يحبونه ويفضلونه وتشويه خصومهم واغتيالهم، فسلام على الديموقراطية التي ماتت وعلى الإعلام الذي هوى.

كاتب سعودي

massaaed@