-A +A
صدقة يحيى فاضل
أهم عناصر الدولة هي: السكان، الإقليم، الحكومة، السيادة. وتعرف «الحكومة» بأنها: السلطة العليا في البلاد -أي بلاد- بفروعها الثلاثة: التشريع، التنفيذ، القضاء، وكل ما يتعلق بهذه السلطات من أمور.

وذلك يعنى: أن كل هذه السلطات الثلاث المتداخلة تشكل معا (ومجتمعة) كيانا واحدا أكبر، يسمى «الحكومة» وإن أصبح مقبولا في الوسط الأكاديمي السياسي: قصر مصطلح «الحكومة» أحيانا على السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) فقط.


****

وانطلاقا من هذا المفهوم، قامت منذ عام 1889م منظمة «غير حكومية» للبرلمانات في العالم.. تقتصر العضوية فيها على هذه المجالس، والغرض منها تأكيد صوت ومصلحة الشعوب التي تمثلها برلماناتها في مواجهة ما قد يأتي من تغول للسلطات التنفيذية. وسميت هذه المنظمة بـ «الاتحاد البرلماني الدولي» (Inter - Parliamentary Union). واختصارا يشار إليها بـ«IPU»، ومقرها الرئيس في مدينة جنيف بسويسرا. وهي المنظمة الوحيدة التي تمثل السلطات التشريعية على المستوى العالمي. وتحظى الآن بصفة «مراقب» في الأمم المتحدة. أما أهم أهدافها، فيمكن تلخيصها فيما يلي:

العمل على تحقيق السلام والتعاون بين شعوب العالم، ومواجهة التحديات والأخطار المشتركة بالعمل معا.

دعم الديمقراطية بأشكالها البرلمانية الثلاثة، وتعزيز المؤسسات النيابية، في جميع أرجاء العالم.

العمل على حماية حقوق الإنسان، بما في ذلك تمكين النساء من الحصول على حقوقهن المشروعة، وخاصة الحقوق السياسية.

****

ولتحقيق أهدافها، تتبع هذه المنظمة الأساليب التقليدية، من تنظيم واجتماعات وقرارات، ومتابعة لتنفيذ القرارات.. إلخ. ولها «جمعية عمومية»، و«مجلس حاكم» مكون من مندوبي الدول الأعضاء بالمنظمة، و«أمانة عامة» تضطلع بأعمال الإدارة والسكرتاريا. ويرأس المنظمة مندوب يتم اختياره من قبل المجلس الحاكم، لمدة ثلاث سنوات (الأمين العام). وتضم هذه المنظمة الآن 178 دولة. وتعقد اجتماعين عاديين سنويا، يعقد الأول في مقر المنظمة صيفا، والثاني في إحدى الدول الأعضاء، شتاء. وتقوم بأعمالها أربع لجان دائمة، هي: لجنة السلام والأمن، لجنة التنمية المستدامة، لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان، لجنة شؤون الأمم المتحدة.

وتحظى هذه المنظمة باحترام مؤسسات المجتمع المدني في غالبية دول العالم، بسبب تبنيها للقضايا المدنية الحيوية والجماهيرية الكبرى، على مستوى العالم. وقد كان نشر «الديمقراطية» (متجسدة في البرلمانات الوطنية الحقيقية) -وما زال- أهم أهداف هذه المنظمة. ويكاد لا يخلو أي بيان ختامي لها من إشارة إلى ذلك.

****

ومعروف، أن «المنظمات الدولية» (ثاني أهم «أطراف» العلاقات الدولية، بعد الدول) تقسم إلى قسمين رئيسين:

(أولا)– الحكومية (GO) أي التي يكون أعضاؤها السلطات التنفيذية: وتقسم بدورها إلى: عالمية وإقليمية. والمنظمات الدولية الحكومية العالمية تقسم إلى: شاملة (الأمم المتحدة) ومتخصصة (اليونسكو – مثالا). أما الإقليمية، فتقسم إلى أربعة أنواع، هي: شاملة، وظيفية متخصصة، أحلاف عسكرية، منظمات إقليمية تابعة للأمم المتحدة. ويبلغ عدد المنظمات الدولية الحكومية (بأنواعها) في عالم اليوم 586 منظمة.

(ثانيا)– غير الحكومية (NGO): ومعظمها منظمات مجتمعات مدني (Civic Society) تنحصر العضوية فيها في: جماعات وأفراد ومؤسسات خاصة. وتنقسم إلى عدة أقسام. ويبلغ مجموع هذا النوع من المنظمات في الوقت الحالي أكثر من 6000 منظمة.

****

واستكمالا لمكانته الإقليمية والدولية، سعى مجلس الشورى السعودي (باعتباره أحد البرلمانات) للانضمام إلى الاتحاد البرلماني الدولي، بعد استيفاء بعض شروطه. وتم انضمام المجلس لهذه المنظمة الهامة عام 2003م (1423هـ) عقب مؤتمر للمنظمة عقد في سانتياجو، عاصمة شيلي. ومنذ انضمامه، أصبح مجلس الشورى أحد الأعضاء العرب. وشارك في أغلب اجتماعات المنظمة ونشاطها. واعتبارا من عام 2000م، قرر الاتحاد عقد مؤتمر لرؤساء البرلمانات في الدول الأعضاء به، مرة كل خمس سنوات. حيث عقد المؤتمر الأول عام 2000م، والثاني عام 2005م. والثالث في جنيف، يوم 19/‏7/‏2010م. والرابع عقد في جنيف يوم 3/‏8/‏2015م. وعقد المؤتمر الخامس مؤخرا، يوم 19/‏8/‏2020م، عبر الاتصال المرئي، انطلاقا من فيينا، وحضره رئيس مجلس الشورى، على رأس وفد من المجلس.

وقد ناقش المؤتمر الثالث لرؤساء البرلمانات، مقترح تحويل اتحاد البرلمانات الدولي إلى منظمة دولية حكومية. وهي فكرة طرحتها الأمانة العامة للاتحاد على الأعضاء ابتداء منذ عام 2009م. ولم يرَ هذا المقترح النور حتى الآن، لأن معظم الدول الأعضاء لديها تحفظات على غالبية مواد الميثاق الجديد المقترح. وبهذا، سيستمر الاتحاد البرلماني الدولي على صيغته الحالية، حتى إشعار آخر.

****

إن عضوية المملكة (ممثلة بمجلس الشورى) في هذا المحفل الدولي الهام أمر إيجابي، يتوجب الحفاظ عليه. ويرى البعض أن من الأفضل بقاء اتحاد البرلمانات الدولي على ما هو عليه. ولكن، وفي حالة وجود إصرار من غالبية الأعضاء على التغيير، فإن التعديل لن يغير من الأمر شيئا جذريا. ويمكن طلب تعديل بعض مواد الميثاق المقترح، أو التحفظ على تلك المواد، ضمانا لاستقلالية البرلمانات الوطنية الأعضاء. وهذا ما زال موقف المجموعة العربية، بل ودول أخرى.

وغالبا ما يجيء في البيانات الختامية لمؤتمرات هذه المنظمة دائما وعلى كل المستويات، تعهد بحماية الديمقراطية، تأكيدا لسيادة الشعوب، والدفاع عن البرلمانات والبرلمانيين ضد أي تدخلات تهدف لتحجيم دورهم، بشكل أو آخر. ويتكرر التعهد بمساعدة البرلمانات القائمة على أن تصبح برلمانات حقيقية، تمثل شعوبها بالفعل، وتمتلك سلطة التشريع في بلادها. والعضوية المشروطة متاحة للبرلمانات، أو مشاريع البرلمانات. والهدف منها متابعة التطور اللازم للبرلمانات المعنية، عبر وضعها تحت مجهر الاتحاد. كما يتكرر في البيانات الختامية التأكيد على ضرورة العمل باستمرارعلى تطوير اتحاد البرلمانات الدولي نفسه، بما يجعله أكثر فاعلية، في تحقيق أهدافه التي تشمل كل الكرة الأرضية.

كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com