-A +A
منى العتيبي
مع كل ذاكرة وطنية نحتفل فيها باليوم الوطني نستذكر تاريخ التأسيس والبطولات التي خاضها أجدادنا مع قائدهم عبدالعزيز آل سعود، نعاود كل عام ونستمع إلى قصص البطولات بنفس الشعور من الدهشة والانبهار والاعتزاز، ونستلهم منها الاستمرار في مواصلة مشوار أجدادنا في الدفاع عن الوطن وبنائه والمسيرة به نحو الأمجاد.

وفي كل عام تسيطر عليّ تساؤلات أجد لها الإجابات، ولكن تبقى هذه الإجابات مغلّفة بالدهشة التي لا تخفت، وأول هذه التساؤلات: كيف استطاع رجل واحد أن يقنع رجالاً وقبائل بأن يتبعوه وهم أصلاً يرون في أنفسهم أحقية التصدر لا التبعية؟!


ما لغة الخطاب، وما أسلوب وسياسة هذا الرجل الذي استطاع من خلالها أن يقنع هذه القبائل وهؤلاء الرجال من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب حتى الشرق، تفصلهم مساحات شاسعة وعادات وتقاليد وأفكار وأنماط مختلفة من الشخصيات، فما يقنع رجل الشمال قد لا يقنع رجل الجنوب، والعكس؟ كيف استطاع رجل واحد أن يقنع هذه الأطراف كلّها بتأسيس دولة تضمهم جميعاً تحت راية واحدة ورسالة واحدة؟

بالتأكيد الشخصية الدينية المزروعة في رجالات الجزيرة العربية لها دور في ذلك، ولكن في تصوري لم يكن الأمر هذا وحده سر اتحادهم مع قائدهم، إنما السر في ذلك أن هؤلاء «الرجال» قد وجدوا أمامهم «رجلاً».. والرجال يعرفون الرجل ويفتخرون به وباتباعهم له.. وجدوا في الرجل المؤسس سمات يعرفها الرجال من «هرجة» الرجل، وجدوا الصفات التي يتبناها ويتقلدها رجل الجزيرة كالشجاعة والصدق في الرغبة بالانتصار، الأمانة، الذود عن الشرف (والشرف يشمل الأهل والأرض)، وجدوا فيه العزم والحزم نحو تحقيق الهدف؛ لذلك تبعوه وكلهم إيمان بأنهم سيكونون معه المجد والتاريخ البطولي الذي سيروى للأجيال حتى قيام الساعة.

شخصية الملك عبدالعزيز، شخصية قيادية من الطراز الأول استطاعت أن تقود البلاد وتعمل وتُخضّع لها في القيادة المختلفين معها كما فعل مع الأحزاب المختلفة، فعندما تولى الحكم في الجزيرة خرج العديد من المختلفين معه، لكنه استطاع بسياسته أن يراسلهم بلغة كلها حنكة ودهاء ويعود بهم إلى الوطن ليخدموه كما فعل مع محمد طاهر الدباغ -رحمه الله- الذي أعاده إلى الوطن وكلفه رئيساً للمعارف حتى أصبح أحد أبرز مؤسسي التعليم النظامي في بلادنا، وممن ساهموا بزرع نواة التعليم الأولى في بلادنا، وأعطى وتفانى بعطائه في التعليم وصار من أكثر الرجال الذين خدموا البلاد في تشجيع الحركة التعليمية في بداياتها إبان مرحلة التأسيس.

الملك عبدالعزيز آل سعود باختصار كما قال أمين الريحاني في كتابه «ملوك العرب»: «هو رجل قبل كل شيء».

كاتبة سعودية

monaotib@

Mona.Mz.Al@Gmail.Com