-A +A
طارق الحميد
تستحق المبادرة الفرنسية تجاه لبنان، والجهد الذي بذله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كل التقدير كونها المبادرة الأوضح، خصوصا بعد الجهود التي قادها الرئيس الفرنسي، وتوجها بزيارتين؛ الأولى بعد انفجار مرفأ بيروت، والثانية مطلع هذا الشهر.

وجاءت زيارة ماكرون الثانية من أجل التأكد من التزام الساسة، والأحزاب، بالخطوات الإصلاحية المطلوبة، والتي يطالب بها اللبنانيون، ويلح عليها المجتمع الدولي، وأبرزها أن ينأى لبنان بنفسه عن الأزمات السياسية بالمنطقة.


زيارات ماكرون، ومبادرته، تعني أن الرئيس الفرنسي قد خاض بالتفاصيل، وكما يقال، فإن الشيطان بالتفاصيل، ومن ضمن تلك التفاصيل اللبنانية الجدل الذي دار حول ما نسب للرئيس الفرنسي من تصريحات بعد لقائه أحد أعضاء حزب الله، والنفي بعد ذلك.

إلا أن هذه القصة، وأياً كانت تفاصيلها، فإنها تطرح سؤالا مهما، وهو كيف ستتعامل باريس مع حزب الله، حيث لا يمكن أن تنظر فرنسا للحزب على أنه مكون من جناحين عسكري وسياسي، يمكن التمييز بينهما، فذلك غير صحيح.

ونقول غير صحيح لأنه خطأ سبق أن وقع فيه البعض بأوروبا، مثل بريطانيا، وتم تجاوزه بتصنيف حزب الله كمنظومة إرهابية سواء في بريطانيا، أو ألمانيا. والحزب متورط في اغتيالات في لبنان، كما أنه متورط في حروب خارج لبنان، وتحديدا في سوريا، خدمة للنظام الإيراني.

والأمر الآخر هنا، صحيح أن الرئيس الفرنسي زار السيدة فيروز بمنزلها، والتقط الصور معها، لكن ذلك لن يغير الصورة الأكثر رسوخا بأذهان لبنان والمنطقة، وهي صورة آية الله الخميني وهو يهبط بالطائرة الفرنسية في إيران عام ١٩٧٩، قادما من فرنسا.

صورة الخميني لا تزال الأكثر تأثيرا، ورسوخا، رغم قدمها من صورة الرئيس ماكرون وهو يزور السيدة فيروز. وبالتالي فإنه ليس من السهل تبسيط أزمات لبنان. وهنا مثال على ذلك، فبعد زيارة ماكرون أعلن عن أول زيارة لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، إلى لبنان منذ ٢٧ عاما.

ويعتقد أن من ضمن جدول اللقاءات ترتيبات خاصة مع حزب الله، وربما لقاء هنية بحسن أمونيا، مما يعني أن حزب الله غير معني بالنأي عن النفس، وأن لبنان غير قادر على فعل ذلك. فهل هذا هو لبنان الذي بادرت فرنسا من أجله، خصوصا مع الرفض الأمريكي لأي دور للحزب بالحكومة الجديدة؟

وعليه فإن ما يمكن أن يقال للفرنسيين هو أن صورة الرئيس مع فيروز جميلة، وتاريخية، لكنها لن تنسي المنطقة صورة وصول الخميني على متن الطائرة الفرنسية، مما يتطلب جهدا فرنسيا أكبر في لبنان لتغيير الصورة، وبشكل عام.

كاتب سعودي

tariq@al-homayed.com