-A +A
مشعل العقيل
انتشرت مقاطع بالفترة الأخيرة لأشخاص يتحدثون بكلام متناسق مستنجدين من خطر حولهم، وآخرين يوجهون رسائل وهنالك من يدعو لما يخالف الدين والمجتمع وأحياناً العقل، والكثير منها يكون بسبب ما يسمى بالطب النفسي الاضطرابات الضلالية، التي تحمل اعتقاداً راسخاً لدى صاحبها لا يقبل التشكيك، ولها أنواع متعددة فمنها ما يعتقد الشخص بأن هنالك من يطارده أو أنه شخص له قدرات خارقة أو أن هنالك خيانة زوجية حدثت ولا توجد لديه أي أدلة على ذلك سوى هذا الاعتقاد الذي يبحث له عن دليل أو أن له تواصلاً خفياً وعلاقة وطيدة ومحبة تربطه بشخصية معروفة، وفي بعض هذه الاضطرابات العقلية يتحدث الشخص عن هذه الأفكار بطريقة منظمة قد تقنع الأشخاص غير القريبين منه ولكنها يظهر وبوضوح ضلالاتها للمحيطين به.

قد يعتقد الكثير بأن التعرف على المريض العقلي ممكن من هيئته ومظهره، فالكثير منهم لا يهتم بشكله الخارجي ولكن هذا لا ينطبق على جميع الحالات، ويعتقد البعض الآخر بأن من كان مستقراً في وظيفته وعائلته ونشاطه الاجتماعي فهو بعيد عن تلك الاضطرابات ولا تطاله وهذا أيضاً غير صحيح، فالكثير من الحالات تصيبها تلك الضلالات في العقد الثالث أو الرابع من عمره وقد يكون قبلها شخصاً متزناً في تصرفاته وسلوكه، وآخرون يعتقدون بأنها محصورة لمن يستخدم المخدرات والكحول والمواد المحظورة والواقع أن ذلك أحد عوامل ظهور تلك الأفكار ولكنها ليست محصورة عليها.


نحاول تحليل ما يحدث حولنا بواسطة عقولنا فكثيراً ما تكون الأداة الوحيدة التي نملكها للحكم دون دراية بتفاصيل، وذلك حق مشروع لنا ولكن في كثير من الأحيان لا يكفينا العقل للقيام بذلك، وقد يتسبب ذلك التحليل المجرد من التفاصيل بحالة من الغضب لدينا، فنرى المطالبات والتعاطف الكبير في وسائل التواصل الاجتماعي مع مقطع تم تصويره من خلال شخص يعاني من تلك الضلالات.

هذه الاضطرابات العقلية ليست جديدة ولكن أصبحنا نشاهدها بالفترة الأخيرة وبشكل متكرر بسبب التقنية وسهولة إيصال الرسائل للناس عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فقد كان إلى عهد قريب انتشار مثل هذه الرسائل مقيداً ومقتصراً على ما يتم فلترته بواسطة وسائل الإعلام، علماً بأن نسبة حدوث هذه الاضطرابات العقلية ذات الأفكار الضلالية المتناسقة ضعيفة ونادرة، ولكن مع استخدام الملايين لمواقع التواصل الاجتماعي فمن المتوقع ظهورها لنا بين فترة وأخرى، ولن تستطيع عقولنا تمييز صحتها دون معرفة التفاصيل حتى إن كنا على معرفة بالشخص مسبقاً.

من الصحي جداً تفاعل المجتمع مع مشاكله كالجسد الواحد، وينبغي أيضاً الحذر من هذا التعامل فبعض طرق العناية والمساعدة قد تضر صاحبها، ومحاولة إيصال الحادثة والرسالة للجهات المختصة هو الحل الأمثل دون الخوض في تصديق أو تكذيب ذلك، ولاحظنا أن جهاتنا المختصة تمتنع عن التصريح والتوضيح لبعض تلك الأحداث، وهذا التصرف الرائع يحسب لها وتشكر عليه ويظهر مهنية عالية جداً لحفظ خصوصية الفرد عندما تجد بأن تلك المقاطع كانت بسبب اضطراب عقلي إلا إذا كانت هنالك حاجة ملحة وتحت أطر نظامية.

الكثير من هذه الاضطرابات العقلية وتلك الأفكار الضلالية قابلة للاستجابة للعلاج الدوائي، ولكن انتشار المقطع الذي ظهر به الشخص للناس قد يزيد من صعوبة عودة الشخص لحياته السابقة والخروج للمجتمع بعد العلاج، بالإضافة إلى المعاناة الكبيرة جداً التي تعيشها عائلة المريض وهى ترى هجوم الناس عليها واتهاماتهم ليصبحوا ما بين مطرقة اتهامات ولوم المجتمع وسندان رحلة علاج مريضهم غير المستبصر بوضعه ويتطلب الجهد الكبير، مقالي ليس دعوة إلى الخوف فنسبة حدوث هذه الاضطرابات العقلية الضلالية ضعيفة جداً، ولكنها رسالة للتعامل بحيادية مع ما يبث بوسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولة الدعم والمساعدة وإيصال الرسالة للجهات المسؤولة التي دائماً ما تقوم بدورها في التحقق والتقصي.